May 23, 2010

الحكاية التى بعد ال12


يا عم يا صباغ اصبغ عمامتي بالأخضر
حاضر يا حاج
يا عم يا صباغ اصبغ جلبابي بالأصفر
تحت أمرك يا ست
يا عم يا صباغ يا عم يا صباغ
لا الناس تتوقف عن الطلبات
ولا الصباغ يتوقف عن تلبية الحاجات
وصمه مؤرخ القصر بعبوديته للمال
لأنه لم يكن يتوقف عن العمل
لا فى الأعياد ولا المناسبات
لكن الناس هى التى لم تتوقف عن الطلبات
فكيف يتوقف الصباغ عن العمل
والصباغة ليست ككل الحرف
فمقدار الخردلة يغير اللون ويشوه الصنعة
ويدمر سمعة الصباغ التى لا يملك غيرها
فقد أكد أصحاب الدكاكين المجاورة لدكانه
أن الصباغ لا يبقي على كثير أو قليل مما كسب
قيل على المحتاجين أولا
ثم بعد ذلك على خصيان القصر الأفاقين
وكانت بدايته مع الخصيان فى عيد التتويج
مر موكب عظمة السلطان
بكل الجاه والأبهة ومهرجان الألوان
وقد أبدع الصباغ فيه بما صنعه
من ثياب تليق بالقصر ورجاله
لكن هذه المرة وبينما الناس تجن من جمال الألوان
من أصفر وأخضر وأحمر
رأى الصباغ ندى
زوجة السلطان الشامية
وكانت النظرة التى تعقبها ألف حسرة
يقسم الصباغ برؤية اللون الذى لم يعرف البشر اسمه
ويرون عنه فى الاساطير
ومن يومها والخصيان يلاعبونه
ملاعبة القرداتي لقرده
مولاتي ندى رأتك كما رأيتها
لن تدفع حساب صباغة العباءة
مولاتي ندى ترسل السلام
احضر ما شئت من ثيابك لأصبغها
مولاتي ندى تبادلك العشق بعشق
هذه الصرة من المال لك يا وش السعد
والخصيان يحضرون ولا ينصرفون
إلا محملين بأكثر مما طمعوا فيه
ويقول السكارى فى الحانة
وقد تكفل الشراب بحل عقد اللسان
أن الخصيان الملاعين يحضرون بعلم عظمة السلطان
ويعودون إليه ليبهجون مجلسه بما كان من الصباغ
ولأن دوام الحال من المحال
أفلس الصباغ
وأهمل الصباغة والألوان
وأغلق دكانه
وطالت ذقنه وشعره
واستغربه من عرفه يوما
حتى ضاق بالشوق وضاق الشوق به
فذهب مرابطا تحت شرفتها بالقصر
رغم ما فعله الحراس به
يضربونه حينا ويسخرون منه أحيانا
وقيل والعهدة على مؤرخ القصر
أن عظمة السلطان أمر يوما حراسه بكف أيديهم عنه
وإعطاءه الزاد والماء متى شاء
لكن الصباغ وحده يقسم
أن ندى هى من كفت أيديهم عنه
ويغلظ القسم والناس تضحك عليه
أن أوامرها للحرس جاءت بعد أن زارته
وأخذت الثوب الأزرق
الذى خاطه وصبغه لها
وأن ندى قبلته وهى تبكي:
وعد ومكتوب يا ابن الناس
وعد ومكتوب

أشرف نصر
http://ashrafnasr.blogspot.com/

May 12, 2010

ال12


الصيف يدخل والحر يطبق على الصدور
ولا يرطب الجو وينعش النفوس مثل سيرة الناس
فالتقطيع فى المخاليق غيه عند أهل المدينة
زاد أو قل عدد الجالسين على أبواب البيوت
تحلو النميمة و تمتد السهرة وتعلوها الضحكات
حتى تجيئ سيرة للغريب
فيصههل الناس ضحكا وغمزا ولمزا
الغريب لم يكن يخالط أحدا
ولا يرضى بالجلوس معهم أمام البيوت ومداخل الحارات
ولا بالذهاب للحانة لمخالطة السكارى
ولا حتى ضُبط مرة فى صحبة مختلسي المتعة عند مشارف الجبل
الغريب لايخرج من داره إلا قبل الغروب
يسير من الدار إلى شاطئ البحر
وكان سيره برتابة تغيظ الناس
يهز رأسه محييا من يراه
وكثيرا ما يسخر من مر به من هزة الرأس تلك
يصل للبحر ويشترى الترمس
ويتحدث لساعة مع البائعة الصماء البكماء
ثم يعود لداره ولا يراه أحد إلا فى اليوم التالي
فى جلسات الصيف كثيرا ما يسبه الناس حين يتذكرونه
وهم يلعنون تكبره وغروره فى عزلته تلك
ثم يرطبون مجلسهم بالسخرية منه
ويتلون السخرية بالشائعات
حول ماله وعمله ووحدته المريبة
بلا زوجة تغيظه بالنهار وتمتعه بالليل
ثم يختمون السهرات بسيرة بائعة الترمس
ويتبارون فى تخيل ما يعتقدونه عن زيارتها له فى الخفاء
لكن سيرة الغريب لم تعد ممتعة
خاصة وقد انتبه الناس أنه لا يصلي مع من يصلي منهم
لا فى المسجد ولا فى الكنيسة ولا فى المعبد أيضا
ولا تأكد لأحد هل يصوم فى رمضان
أو مع المسيحيين أو مع اليهود
وحاولوا اكتشاف ما يعبد
فعجزوا كما عجزوا عن تخمين كل ما يخص الغريب
ولا يعرف أحد هل صدرت الفتوى بكفره أولا
أم كان الدس به للعسس
بأنه يُلسن علي عظمة السلطان كان البداية
أم لا هذا ولا ذاك بل غضبة الشباب
الذين رأوا أن صلاح الحال لا يجيئ مع وجود أمثاله من الزناه
أو كل تلك التهم التى تورد الواحدة منها النفس مورد الهلاك
اجتمعت فى صيف ساخن فتجمهر الناس
وهم يضربون بائعة الترمس
واتجهوا نحو دار الغريب
قذفوا الدار بالحجارة فلم يفتح بابه
أُلقيت المشاعل فإحترقت الدار بصاحبها
وحتى فى نهايته البشعة ما طلب منهم مساعدة
وهو يتحول من رجل لفحمة سوداء
وحدها بائعة الترمس الصماء البكماء بكته
وحكت لهم كل ما كان يفضفض به كل مغربية
وكلما إنتهت من حكايتها
تذكرت أنهم لا يسمعون

أشرف نصر
http://ashrafnasr.blogspot.com/

May 5, 2010

ال 11


يا بقر يا أولاد الكلاب
يا أبناء الزواني والقحاب
يا..يا..يا
حين تدوي تلك الكلمات فى السوق
يعلم الناس علم اليقين أن الداية العجوز نزلت للشراء
وبالمرة لسب الدين للناس
ورغم الخراج المقرر لها من بيت المال
بعد أن صدر الأمر من القصر بألا تعمل مرة أخرى
لكنها تصر على النزول للسوق
وترفض الاستعانة بأي خدم
فالبخل يشكو من بخل الداية
وكلما ضاق شاب عفي أو فتاة حرة من فحش لسان العجوز
يوقفهم الكبار خوفا عليهم من الهلاك
وقبل الهلاك لسان الشمطاء
وكان من عادة الداية ان تبدأ وصلة الردح
بأن تثني إصبعها الوسطى فى وجوههم
وتشق ثوبها ثم تسمعهم من المنقي خيار
وتختم الوصلة بالتباهي وهي تفرد كفيها:هذه الأيدي
أخرجت للدنيا عظمة السلطان
فينصرف الناس عنها بعيون مكسورة وحلوق ممرورة
لكن احدي جارات الداية أوردت مرة رواية
لم يتمكن أحد من التيقن من صدقها
بل قيل أيضا أن الجارة تحاول أن تكيد للداية
ومثلها فى ذلك مثل كل من يكرهونها
تروي الجارة أن الداية تخرج فجرا
وتقف على سطح بيتها وتفرد كفيها للسماء
وهي تبكي ثم تلسع يديها بالنار
قائلة: هذا ما جنيته على المدينة
وما جنى على أحد !

أشرف نصر
http://ashrafnasr.blogspot.com/