Jun 22, 2013

الكروان محمد طه وموال: حسن ونعيمة

الدراسة رقم 1 من دراسات – أشرفية*– شعبية




يَاَ لِيل ـــيٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍٍِ/يااا ليِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِليييي/يـاااا عيني يــاااا يـــا يااااا ليل
كلامنا بلدي، اسمع يا ولدي
قِصه عظيمة حسن ونعيمة
يبدأ محمد طه موال حسن ونعيمة بهذه الكلمات وهذا الإيقاع
 وهي خير الكلمات لنبدأ هذه الورقة
ليس فقط لأننا سنفتش عن المَغنىَ والمُغَنِيِ والموال والتقاسيم والارتجال إلى آخر هذا العالم الساحر
ولكن لأن : كلامنا بلدي
أي أنك لو تنتظر مني دراسة أكاديمية،، فخذ
– لا تخف لا أقصد المعنى القبيح - ولكن أقصد :خذ ذيلك فى أسنانك وارحل من هنا
فبالرغم من قدرتنا بعون المولى على الدراسة الأكاديمية والمصطلحات الأجنبية والتنظير
 إلى آخر الهيلمان إياه،، لكن الله الغني
إذن عنون الكروان محمد طه مواله أننا سنسمع قصة حسن ونعيمة
القصة الشهيرة فى التراث الشعبي وهي القصة التي تحولت-للأسف!- لفيلم شهير
 من بطولة سعاد حسني ومحرم فؤاد وإخراج :هنري بركات
والفيلم بعيد عن روح الموال إذ أحضر نجم! غنائي وقتها هو محرم فؤاد مع ممثلة ناشئة وقتها هي سعاد حسني وألبسهم الجلاليب وكان الأداء وطريقة النطق للهجة فلاحين الصعيد مضحكة ! واكتمل العبث بالسيناريو الكارتوني حيث بدت الشخصيات مسطحة تثير السخرية أكثر مما تثير التعاطف!
فدعنا من الفيلم الآن ولنعود للموال
أنا أقول خلف العظيم محمد طه: كلامنا بلدي
فهيا بنا يا عشاق الكلام البلدي:  نِعتمد ونتوكل، ونسمع الكروان ونتعلم :
أصل الحكاية سمعت بــــــــــــ  دُور يعجبكم
حادثة تبكي سليم القلب يعجبكم
وراح فيه ولد فن ،صيته رن يعجبكم
من الصعيد للبحيرة ،ألفوا موال
علشان جدع مات فى الغربة مالوش موال  
وع الأواخر أنا راخر هاقول موال
عسى يكون عال والموال يعجبكم
***
أصل الحكاية أنه سمع حكاية غناها من قبله عشاق الحكايات وأنشدوها عن حادث مأساوي تعرض له فنان عظيم له صيته وشهرته بين الناس وتغنى به رفاق
 الفنان /حسن ، ورفاق الفنان/محمد طه من قبل وقد جاء دوره ليتجلى ويرسل التحايا لمن سبقوه وليستمعوا كيف سيغني أو ينشده هو
هذه المقدمة قدمها محمد طه فى موال سباعي
فهو يقسم الموال لفقرات أو مقاطع كل مقطع من سبع شطرات
تكون الثلاثة الأولي منها تنتهي بقافية معينة
ثم تأتي ثلاثة أخرى تنتهي بقافية مختلفة
ويختتم بنفس القافية التي كانت فى الثلاثة الأولى
فهنا نرى الشطرات الثلاثة الأولي تنتهي بكلمة: يعجبكم
وتنتهي الثلاثة الثانية بكلمة : موال
ثم يختم بكلمة :يعجبكم
وهنا يطوع الفنان كلمات القصة والغناء ليختم بسهولة ورشاقة شطراته كيفما شاء
فهو:
يقدم الحدوتة ويحافظ على الأوزان ويطرب الأسماع فى نفس الوقت!
نعود للمقطع مرة أخرى لنرى كيف يوصف الفنان قصته بإشارة مهمة:
حادثة تبكي سليم القلب
هذه الحادثة وهذا الموال لأصحاب القلب السليم لذلك على أصحاب القلوب المريضة الابتعاد عن الموال
لا أنا ولا الفنان نقصد المرض الجسماني بل نعني القلوب التي فسدت ولم تعد تهتز ويصيبها اللوعة لمأساة كهذه
ويقول: من الصعيد للبحيرة
وهنا ليست إشارة فقط لانتشار الموال
بل إن نوعية المواويل تختلف من الصعيد للبحيرة
فنحن فى الصعيد سنرى المواويل تُنشد بحثا عن معاني البطولة والشجاعة ومواجهة الموت (لاحظ انتشار السيرة الهلالية وتمركزها فى الصعيد)
 بينما يركز عادة فنانو الدلتا على قصص الحب والغرام والغدر بين الأصحاب
فهى طباع تناسب البيئة وشخوص مستمعيها
لكن موال حسن ونعيمة له من السطوة ما يجعله –حتى وإن تباين الأداء فيها- كأنه الموال الشعبي الأول لأهل مصر جميعا
..
يُكمل طه الموال بنفس التقسيم السباعي :
أصل القضية بُنية حلوة ونــــــــعيمة
وأهلها أغنياء بالمال ونعيــــــــــمه
لكين الهوى لو هوى فى بحر ونعيمة
الحب خلى الغزالة اتعلقت بالنمس
وفاتت الأهل وراحت له بنى والنمس
حسك تلوم المبالي تبتلى بالنمس
اسمع رواية لحسن النمس ونعيمة
هنا يدخل الموال مرة أخرى أو من عتبة أخرى فهي قضية شائكة لفتاة جميلة يصفها بأنها:بنية حلوة ونعيمة
وعليك أن تفهم جمال اللغة العامية هنا فهو يقصد: صبية جميلة ناعمة
وهي فتاة ثرية تتمتع بنعيم المال والثراء عند أهلها
لكين (النطق العامي لكلمة لكن ) الهوى أو العشق لا يعنيه المال والثراء فهذا العشق جعل بنت الأغنياء تهجر أهلها وتذهب لبلد محبوبها
أما أجمل الإشارات فى هذا المقطع والتي تذكرنا بإشارة :سليم القلب فى المقطع الأول
هي إشارة: حسك تلوم المبالي تبتلي
أي احذر أن تلوم من أصابه البلاء حتى لا تبتلى  يا خالي البال
وفى موازة وصف نعيمة :بالفتاة الناعمة التي تشبه الغزالة
يصف حسن بأنه:نمس
والنمس لا يقصد فى التراث الشعبي صفات الحيوان المعروف بذلك الاسم ولكن المقصود به : الذي يأسر الفتيات كما يأسر النمس الغزالة
فكأنهما صياد وفريسة
والعشق هو شبكة الصياد
..
سأقفز على الفقرة التالية والتي يقدم فيها حكاية دخول حسن المغني للقرية كمطرب يدعونه للغناء فى قرية نعيمة بمحافظة المنيا لإحياء أحد الأفراح
هذه القفزة لأني أرغب فى التوقف عند شرارة الحب :
غنى الكروان وألحان النغم شبابيك
طلعوا البنات فى العلالي وفتحوا الشبابيك
قالت نعيمة غرامي يا حسن شبا بيك
بعت له منديل وأسباب الغرام منديل
والحب لاجله اتصل واللي حصل منديل
حسك تلوم المبالي تتوه منديل
وفى قولته يا ليل سنار الغرام شبا بيك
هنا يقدم الفنان كيف يغنى حسن بأسفل وسط الرجال والجميلة فى شباكها تسمع الفنان كغيرها من الفتيات
لكن الغرام بحسن وصوت الفتان :شبا بيك
أي بالفصحى :اشتعل بك
فلقد شبت نيران العشق بروح الفتاة فأرسلت له منديل كهدية (لاحظ أن هدية المنديل فى الخيال الشعبي فراق! وكأنها دون أن تدري قد بدأت مآساتهما فهى بخطأ قدري ترسل له هدية للغرام ودون أن تدري تحكم على قصتهما معا بالمأساة)
..
وفى قفزة أخرى سأذهب للحكم الأخلاقي فى الموال
والبعد الاخلاقي فى المووايل الشعبية نقطة محورية
بمعنى أن الفنان الشعبي مخلص لقيم مجتمعه الأخلاقية حتى وإن كانت تبدو لنا فى عصرنا الآن غير مقبولة : مثل فكرة شرف البنت – والقتل ثأرا للشرف(لاحظ موال شفيقة ومتولي كمثال) الخ
المعيار الأخلاقي هنا يتجلى
عندما هجرت نعيمة أهلها وهربت ذاهبة نحو قرية حسن وبقيت هناك أسبوعا
يقول الكروان محمد طه فى آخر مقطع هروب نعيمة طلبها لحبيبها :
راحت له بلده وقالت له فايته أبوي وأيام
والعرض متصان وأنت يا حسن مش غول
(جئتك يا حبيبي بلدك وتركت أبي ، لكن لا تمس عرضي وشرفي فأنت لست غولا)
بين الأقواس كلام فصحي ثقيل الظل لكن انظر رشاقة العامية والفنان فى شرح القضية وطلب نعيمة فهي وإن جاءت فلا يعني ذلك أن صارت سهلة أو راغبة فى حرام
لذا يأتي الرد بنفس الرشاقة والمعيار الأخلاقي والحب أيضا من حسن:
قال يا تلميت مرحبا ،لما اتيت يا جميل
من جوه عيني ولا يمكن أحد يجميل
وقال لأمه اكرميها غاية الكرم وجميل
رحنا حداهم لقيناهم كرام وهنا
بنت الاكابر مشافتش تعب وهنا  
والعرض غالي ومتصان ويعيش فى هنا
وما دام أتت عندنا يبقى الجميل له جميل
هنا حسن يرى فعلة حبيبته كجميل يطوق عنقه وعليه رد التحية بخير منها ويؤكد أنه لن يمسها إلا بعد حضور أهلها والزواج بها
..
جالها ولد عمها وقالها مش عيب
 وأنا خطيبك وأهلك فى البلد مش عيب
وصرفت مالي عليكِ تُهجري مش عيب
قالت يا اخويا العيون تنظر لمن تهواه
الحب خلى زليخة للصديق تهواه
وأنا مش حجر صم ولا حديد تهواه
باحبه لله ومن قصد الحلال مش عيب
فى هذه المناظرة تدافع نعيمة ضد ابن عمها الذي جاء يطالب بالزواج منها فهي ليست أفضل من زليخة –أسيرة العشق للنبي يوسف- وهي ليست سلعة تباع وتشترى وإنما ترغب فيمن تحب ولا تخافوا أيها المجتمع الظالم فأنا أقصد الحلال والزواج بمن أحب
..
نتوقف أخيرا عند التصوير الدرامي لمشهد قتل حسن
فبعد أن عادت نعيمة لأهلها بوعد تزويجها لحسن
لكن القتلة –أهل نعيمة- يخنون العهد ويغدرون بحسن ظنا منهم أنهم بهذا يفون بقيم المجتمع بينما هم يذبحون كل القيم
لن تجد مشهد قتل يوصف بهذا السحر كما يفعل طه
فهو مستعينا بأنين الناي الممزوج بصوت الكمان يخفض صوته ويغلفه بالحزن ويسارع فى نطق الكلمات كتصوير للحركة الغادرة حين يقول:
يا ليلي يا ليلي يا ياااا ياااا عين (كأنه ينبه المستمع لأهمية المقطع)
نعيمة شافت حسن داخل مع اخواتها
متقولش واحد ضربها بنار وخوتها (خوتها هنا كلمة عامية تعني ذهب عقلها أو كادت تجن)
ولسانها متحاش مش قادرة من اخواتها (متحاش=كأنها خرست)
بتبص بالعيييييييييييين ولا تدي اشارة جار
خايفة من اللوم وفعال اللؤام الجار (أي الجيران اللئام)
قوام شاروا بعضهم قصفوا القلم ما انجط (أي  تشاورا أسرع من نزول النقط من القلم)
وعقلها شت بين الحِب واخواتها (الحِب أي الحبيب)
يكمل طه وصف حزن نعيمة ومأساتها بين القتلة/اهلها وحبيبها
إلى يصف المشهد المرعب:
دروا كتاف الجدع على بسطة السلم (أي أحكموا تقييده على السلم)
وجابواله سكينة ماضية يا لطيف سلم (احضروا سكين تم شحذها جيدا، ولا يتوقف الفنان قبل الدعاء لله لهول المأساة)
قطعوا رقبته بتتدحرج على السلم
خدتها فى الحال فى قاعة التبن خبتها (ذهبت نعيمة برأس حبيبها لتواريها التراب فى قاعة التبن فى البيت)
دبحوا الجدع ع السلالم ظلم مظلموين
والنور مطفي وبيت الظلمة مظلمين
والعمدة عنده خبر والشيخ من الظالمين
هكذا تكتمل الدائرة ففي جنح الظلام يقوم القتلة بذبحه العاشق وحتى ممثل القانون يعرف لكنه يتواطأ معهم !
الحكاية تكتمل بالقبض على القتلة لكن دم حسن لن يضيع فسوف تظل لعنته تطارد قتلته وحكاية غرامه طالما بقى صوت محمد طه يصدح ولو عبر تسجيلات تتكرر على أسماع عشاق الموال للأبد
عزيزي القارئ هل أنت هنا ؟ ماذا تنتظر! دعك من كلامي ،
واذهب لموقع يوتيوب لتستمع الأسطورة محمد طه وأكتب عما تحسه
*أشرف نصر
  
http://ashrafnasr.blogspot.com/