Jun 1, 2014

شابة وجميلة


شابة وجميلة
فصول الجسد وتحولات الرؤية
أشرف نصر
"Jeune & jolie" العنوان الأصلي :
تأليف وإخراج : فرانسوا أوزون
إنتاج : فرنسي 2013
الحسية والعلاقة بالجسد فى فيلم فرانسوا أوزون الجديد "شابة وجميلة" هي حسية رقيقة ،حسية- رومانسية نوعا ما- تلك التي تبدأ من مشارف الجنس دون أن تقع فى شِباك أوخشونة البورنوجرافيا،والبحث عن الجنس أو الانشغال به من فطرة الإنسان ، مهما تكبل الجنس بالقيود الدينية أو المجتمعية أو الخبرات المتوارثة والمفاهيم الخاطئة، لكن يظل لغزا و هما إنسانيا حقيقيا ،بسيطا ومركبا فى آن، وفى فيلم أوزون الجديد نفس البساطة/التركيب،والانشغال أو البحث عن العلاقة بالجسد عبر الفصول الأربعة للجو، وأثر ذلك على تحولات الرؤية عند البطلة، فمن خلال عدستي منظار مكبر يفتتح الكاتب/المخرج فيلمه، لنرى الشابة الجميلة إيزابيل،المراهقة التى تعري صدرها وهي تخلع المايوه على شاطئ البحر،هو منظار وضعه المخرج موضع الكاميرا لأننا خلال الفيلم سيشغلنا الجسد/جسد إيزابيل، وسيشغلنا أكثر علاقتها بهذا الجسد، ورؤيتها للجنس، الجنس الذي هو مفترض أن يكون متعة ومغامرة، نحن فى فصل الصيف، والانطلاق،وهياج مشاعر الجنس عند الفتاة، ففى الصيف تمارس عادتها السرية الأولى، وفى الصيف تُفض بكارتها خلال علاقتها العابرة بشاب ألماني، الصيف الذي يجعل الأسرة تحتفل بها وبصديقها.. وحتى الطفل شقيقها الذي أطل فى اللقطة الأولى من خلال المنظار،هو نفسه من يساعدها على اللقاء الأول مع صديقها،وهي علاقة بدت مشمولة بتفهم الأم وزوج الام وأصدقاء الأسرة وبحماس الطفل شقيقها، وسنلاحظ أنه رغم التركيز على البطلة لكن رسم لكل شخصية فى الأسرة ملمحا مميزا فى تفاصيل صغيرة خلال مشاهدهم مع البطلة إيزابيل الموضوعة كبؤرة يركز عليها فى الفيلم،
يأتي الخريف عليها لنجد فى إنقلاب درامي، مفاجأة تبدو صادمة،فالجميلة إيزابيل التي تشوقت للجنس صارت عاهرة تبيع جسدها، خلال هذا الفصل من الفيلم لن نجد الدعارة بشكليها النمطيين،لا الشكل الذي يدينها،ولا الشكل المتعاطف،ليس فى الأمر فقر، أو مآسي عائلية، الحكاية هنا بنفس بساطة و"فتور" العلاقة الأولى،هي شابة جميلة كما يقول العنوان،الرجال يريدونها وهي تحب التجربة، الجنس يصبح كالخروج للمقهى، مغامرة لطيفة،لا أكثر ولا أقل، نعم قد تتعرض للإساءة الجسدية أو للقتل ،لكننا هنا يعرض الإكراه المعنوي النفسي من الزبائن ،من هم زبائن إيزابيل؟ بل من هم زبائن العاهرات عموما، إنهم ببساطة أولئك الرجال "المحترمين!"الذين يعيشون معنا ،متزوجين أو غير مرتبطين، إنهم نحن!، فالكل يريد جزءا من ذلك الجمال ،
لقد طال فصل الخريف ،حتى يظن المشاهد أن سرعة عرض الصيف – فى الفيلم- جاءت لأنه التمهيد  لفصل الخريف والذي سنكمل معه الفيلم، لكننا سنرى الشتاء والربيع،بأحداثهما وتغيراتهما فى رؤية إيزابيل للجنس،
ولو قسمنا الحركة زمنيا وإيقاعيا وحسب كثافة الأحداث فى الفيلم لوجدنا: الصيف قصير عابر،الخريف طويل ثقيل، وتأتي حركة الحصاد – دراميا- فى فصلي الشتاء والربيع، هنا الشتاء هادئا دافئا بالمشاعر والقرب من العائلة والأصدقاء ولو من خلال حوارات بسيطة ،والربيع قصير زمنيا لكنه مشبع بالحكمة والخبرة المكتسبة عند إيزابيل،وإذا كنت قد عرفت من خلال السطور السابقة بالإنقلاب الدرامي الذي حدث في الفيلم بين فصلي الصيف والخريف، فهناك مفارقتين درامتين بانتظارك - عند المشاهدة- فى فصلي الشتاء والربيع، خاصة مفارقة النهاية المدهشة،

في الفيلم مفاتيح أخرى مع مفاتحي العنوان، وتقسيمه لفصول ومواسم، فهناك قصيدة الشاعر رامبو التي تلقيها إيزابيل مع زميلاتها فى الفصل ، قصيدة تحتفى بسن السابعة عشرة /سن إيزابيل، يحتفي الشاعر فيها بالحياة والمشاعر التي تتفتح فى ذلك السن، وهناك مفتاح جديد فى أربعة أغنيات تأتي مع كل واحدة خلاصة فنية موازية للفصل الذي مرت به البطلة والتي قامت بدورها "مارين فاتش" بأداء تمثيلي بسيط تعبر فيه من خلال نظرات عينيها وهدوءها الظاهري،وهو أداء ينسجم مع طريقة أوزون فى السيناريو والإخراج،فمن شاهد فيلمه "حمام السباحة" السابق لهذا الفيلم نلاحظ أنه يحب اللعب على الحياة اليومية والأشياء العادية أو الأحداث البسيطة التي ستحمل فى طياتها تحولات الإنسان ومآسيه أو فلنقل همومه فى الحب والجنس،ويطرح من خلال شخصية واحدة أو اثنين على الأكثر هموما نفسية وأسئلة وجودية عن الموت والحب والجنس، وفى زمن فيلمي قصير نسبيا لكنه مفعم بالحياة والحيوية ومشبع بشجن غريب، فرغم كل شيء إيزابيل الجميلة رضيت بعامها السابع عشر وخبراته، لكنها لم تكن سعيدة،بل تنظر لنفسها فى الغرفة وكأنها تسأل:وماذا بعد !
***
نشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 29 مايو 2014