Nov 28, 2013

فيلم الرب وحده يغفر




الرب وحده يغفر
"وحشية العالم أو عالم الفيلم الوحشي"

أشرف نصر
Only God Forgives اسم الفيلم:
تأليف وإخراج: نيكولاس ويندينج ريفن
قطع الدومينو:
الحدوتة كقطع الدومينو المتراصة بشكل معين تسقط إحداها فيتوالي سقوط القطع بشكل تلقائي متتابع، "بيلي وجوليان شقيقان أمريكيان يديران ناديا لمراهنات لعبة ملاكمة الأقدام فى تايلاند، بيلي يغتصب فتاة عمرها 16 عام ويقتلها، يحضر ضابط كبير (لا يشير الفيلم لمنصبه) ويأمر الضابط والد القتيلة بالثأر بيديه لابنته فيقوم الأب بقتل بيلي، وهنا يكون على جوليان الثأر لشقيقه ،ويزداد الضغط بحضور الأم التي تبدو كرأس لعالم الشقيقين فهي صاحبة المال ومن تجلب الهيروين لتايلاند ومدبرة جرائم الثأر الدموية"
هذا مدخل الحكاية فالكل هنا يقوم بالقتل بدم بارد والشرطة لها منطقها المختلف عن المعتاد فهم يقتلون ويمثلون بجثث المجرمين بما يرونه العقاب الواجب والطبيعي.
غياب المشاعر ظاهريا:
فى عالم الغاب الذي يقدمه الفيلم بدون أي ميلودراما كان من الطبيعي غياب الحوارات الطويلة بين الشخصيات، فالحوارات هي أوامر وإيماءات فقط بالرأس للموافقة ،فالكل متناغم مع عالم الفيلم يعلم أن الثأرات المتوالية أمرا بديهيا.
وأما الاستثناء الوحيد فهو مشهد المائدة بين الأم القاسية الباردة وابنها جوليان وقد احضر فتاة من الملهي الليلي لتدعي أمامها أنها صديقته
هذا المشهد يعد أحد مشاهد "الماستر سين" فالأم تظهر الدموع فى عينيها وهي تتهم جوليان بالغيرة من شقيقه الأكبر والتخاذل فى الأخذ بثأره ثم سرعان ما تتمالك نفسها ،وفى طيات المشهد عشرات التفاصيل والمشاعر التى تطفو من تحت الجلد
فبين السطور إشارات لصراع "أوديبي" بين الشقيقين على الأم ،وإشارة لانسحاق  جوليان أمام أمه،وحين تسأله فتاة الملهي بغضب لماذا يرضى بتلك المعاملة من أمه،يمسك جوليان بعنق الفتاة مبررا ببساطة لأنها أمه،،وفى نفس مشهد المائدة نرى الجمود الظاهري على وجه جوليان بينما يبدو كأنه بركان يغلي من المشاعر المتناقضة.
الكاتب/المخرج:
 يدفع المخرج/الكاتب ممثليه لتقديم المشاعر من تحت الجلد عبر الجمود الظاهري لملامح الوجه وهزات الرأس الصغيرة ونظرات العيون وحركة الأيدي وحركة للكاميرا تظهر الحياد الظاهري بينما تورطك أكثر وتحاصرك فى عدة أماكن محدودة من الملهي للفندق لبيت الضابط فقط والليل هو المسيطر والظلال يتم استخدامها بكثرة عبر المصابيح ونور الشبابيك الضعيف الذي يكشف ولا يفضح،
فمثلا نرى فى شخصية الضابط التايلندي الكبير، نرى حركة رصينة فى المشي منتصب القامة يمشي بحركة هادئة وحتى وهو فى طريقه لقتل مجرم أو فقأ عينيه.
لا تندهش ! فالضابط يعذب المجرمين بهدوء قاتل ، وبنفس الهدوء يذهب لملاعبة طفلته بحنان أيضا هادئ دون مشاعر جياشة، وفى مشاهد شديدة الدلالة يقوم الضابط بالغناء لرجال الشرطة وهو يقف رصينا وكأن الغناء هنا هو نشيد وطني لا يقدم للمتعة ،فلا مجال للمتعة فى هذا العالم،، وإنما الغناء يبدو كتذكير لضباط الشرطة بضرورة تطهير العالم وتخليصه من مجرميه وأيضا دون إدعاء بطولة بل كواجب طبيعي عليهم.
فالشرطي مثلا عندما يأمر الرجل التايلندي للثأر لابنته من بيلي ،وعندما ينفذ الأب ذلك،يسأله الشرطي لما سمح لابنته الصغيرة بالدعارة يتوسل الأب بحجة فقره وإنجابه لعدة بنات، فيقوم الشرطي بقطع ذراع الأب كي يحافظ على بناته الأخريات،
هذا هو قانون عالم الفيلم ،لا تجعل أي قوانين تعرفها أو أخلاقيات خارج الفيلم تجعلك فى صدمة مما يحدث، فقد عقد الفيلم معك اتفاقا عزيزي المشاهد: الرب وحده يغفر
لذلك ومن أول نقطة دم ستتوالي الدماء والمشاهد القاسية /المنطقية فى الفيلم. 
لعنة الأيدي/لعنة أوديب:
جوليان يقوم بالنظر ليديه دائما وهو يقبضها كالملاكمين كأنه يختبر قوته وعزيمته ، وعندما تتوسل له الأم أن يحميها من الضابط يلعب مباراة مع الشرطي فيهزمه الشرطي شر هزيمة ،
وعندما يقتل الشرطي الأم ،ما يكون من جوليان سوى التمثيل بجثة أمه فيشق معدتها بسيفه ثم يمد أصابعه داخل معدتها،،كأنه بتلك اليد يحاول فهم سر اللعنة التي جاءت من هذا الرحم!
الفيلم مختلف/صادم/رائع والأهم هو تقديمه نموذجا رائعا للقراءات المختلفة عبر التفكير عما لا يقال وما يدور تحت السطح من عُقد وكوراث فنحن يمكننا أيضا قراءة الفيلم عبر الصراع الغربي الأسيوي حيث الصدام قادم لا محالة وهزيمة الغرب ستكون مروعة كما جرى لجوليان وعائلته!
***
نُشر المقال بمجلة : أبيض وأسود 
العدد 24 (نوفمبر-ديسمبر 2013)

Nov 2, 2013

فيلم حنا آرنت



فيلم حنا آرنت
فكروا يا بشر
يقتنص الفيلم الذورة فى حياة الشخصية التي يتعرض لها ،فهو ليس فيلما من أفلام السيرة الذاتية سيتعرض لحياة الشخصية منذ الميلاد حتى الوفاة ،بل هو يركز على موقف الشخصية من واحدة من أهم أزماتها والتي يمكن من خلالها الإمساك بلب الشخصية وموقفها من العالم ،
الفيلم بدأ بمشهد لاختطاف الموساد الإسرائيلي ل"ادولف ايخمان" احد ضباط النظام النازي وذلك من مخبأة فى الأرجنتين حيث فر وعاش هناك متخفيا، يتم الاختطاف والنقل إلى إسرائيل لمحاكمته هناك ،
هنا تقرر الفيلسوفة الألمانية السفر لحضور المحاكمة ، علينا ملاحظة الوضع المركب للقضية ، ايخمان ألماني تم اختطافه ولم تطالب ألمانيا بطلب استرداده أو محاكمته على أرضها ،وهي ملاحظة ذكرتها بذكاء حنا ارنت فى جلستها وهي تشاهد الخبر
أيضا حنا تطلب السفر وتنوى الكتابة عن القصية لمجلة نيويوركر الأمريكية رغم قلق محبيها (زوجها وأصدقائها) من تداعيات استعادة المأساة مرة أخرى
فحنا يهودية فرت من معسكرات النازي بمعجزة ولم تلق حتفها واستعادة ذلك عبر المحاكمة ربما يكون مدمرا
الأصعب على الإطلاق هو استعادة تجربتها مع أستاذها الفيلسوف هايدجر الذي عشقته وعاشت معه ثم صدمها بتأييده للنظام النازي فى برقية كعميد للكلية دون أن يبرر موقفه فيما بعد سوى بأنه لا يفهم فى السياسة
لا نرغب فى الاسترسال فى حكي أحداث الفيلم لكن المهم هو ذروة الفيلم حيث تخالف حنا جميع من حولها عند العودة والكتابة عن المحاكمة
تصدم حنا الجميع حين تعلن أن النازي ايخمان ليس مجسدا للشر المحض بل هو شخص مثير للسخرية (انه مجرد شخص يعاني الأنفلونزا فى بداية المحاكمة) هادئ لا يشغله سوى أوراق القضية وشرح موقفه الوظيفي
هنا تحطم حنا أسطورة أن ايخمان قاتل يتلذذ بقتل اليهود وتعذيبهم فهو كما تحلله مجرد موظف روتيني لأقصى درجة لا يشغله سوى أداء عمله
الانشغال بالحقيقة يجعل حنا تقوم بتحليلها بعيدا عن تمنياتها الشخصية فهي لا يعنيها إعدام ايخمان ولم تحزن ولا فرحت حين حدث ذلك
إنما هي تحلل الموقف بشكل عقلاني ومنطقي وفلسفي يليق بمؤلفة الكتاب الهام "جذور النظام الشمولي"
هذا النظام الشمولي هي ما يشغلها فهو ما يحول مجرد شخص تافه مثل ايخمان ليتحول لأداة قتل وتعذيب لبشر مثله
بل أنها تحلل كيف أن ايخمان ليس معاديا للسامية بل للبشرية بمعني أنه اليهود بحكم أنهم بشر والفاعل كان سيفعل نفس الأمر مع غيرهم لو أمره هتلر بذلك واقتضت الوظيفة لكرر جرائمه مع البشر جميعا
أما ما فتح أبواب الجحيم ضدها واتهامها بأنها خانت قومها هو إشارتها لتعاون قادة اليهود مع هتلر فى جرائمه فهي تطرح سؤالا هاما هل لو لم يتعاون قادة اليهود هل كان عدد الضحايا سيقل
حنا آرنت يشغلها الحقيقة ولا شيء غيرها حتى لو قاطعها أعز الأصدقاء (إسرائيلي) مما يؤلمها جدا فهي ترى أنها لا تحب شعبا لا اليهودي ولا الألماني ولا الأمريكي ولا أي شعب ،هي تحب الأصدقاء فقط ،هي تحبهم كبشر اختارتهم واختاروها فى الحياة
لذا يظل هاجس وشبح هايدجر وموقفه جاثما على صدرها للأبد
الفيلم الذي أخرجته وشاركت فى كتابته
Margarethe von Trotta
يخلص لموضوعه فى كل شيء الأماكن محدودة والفلاش باك لا يعود إلا إلى لهايدجر ومواقفه والأهم لا يعود لمرحلة هروب حنا أو حياتها فى معسكرات النازي
فهو يخاطب العقل لا يرغب الفيلم فى التأثير العاطفي على مشاهده بل يرغب فى تحريضه على إعمال العقل ،،حتى علاقة حنا بزوجها وهي قصة حب لكنها هادئة فى تفاصيل بسيطة لا تبتز مشاعر المشاهد ولا تشتته عن قضية الفيلم
وحتى فى لقاء عاطفي بين هايدجر وحنا فقط نرى حنا فى انتظار أستاذها/بطلها وحين يحضر فقط يجثو على ركبته ويدفن رأسه محتضنا معدتها
الفيلم يثير الأسئلة ويخاطب مشاهد مستعد للتفكير لا الاستسلام والتلقي بسلبية يختتم بمحاضرة حنا فى الجامعة مع طلابها فقد رفضت الدفاع عن نفسها أمام مهرجي الإعلام بل ما يشغلها حض طلابها على التفكير والبحث عن الحقيقة تماما كما يحث الفيلم مشاهديه على البحث والسؤال والمواجهة ما كانت التجارب الشخصية ومهما تصادم موقف الفرد مع موقف الجماعة/القبيلة/المجتمع/الصورة الشائعة/المؤسسات!
أشرف نصر
1-11-2013

Oct 13, 2013

فيلم جاتسبي العظيم



فيلم جاتسبي العظيم
إبهار وتسلية ولكن!
أشرف نصر
The Great Gatsby (2013)
  رواية: فرنسيس سكوت فيتزجيرالد
سيناريو: باز لوهرمان – كريج بريس
إخراج: باز لوهرمان
بطولة : ليوناردو دي كابريو – كاري موليجان - توبي ماجواير
"فى نهاية العشرينات من القرن الماضي ينتقل نك كاراوي كاتب شاب إلى نيويورك حيث انفجرت الثروة والملذات وحياة الحفلات الصاخبة ليدخل حياة رجل غامض هو جاتسبي يبدو كصانع لعالم هذه المدينة ، يقرب جاتسبي الكاتب منه فيكتشف الكاتب حقيقة عالم المدينة المزيف"
تتحدث جملة فى الفيلم عن الإمبراطورية الرومانية وانهيارها
وهو ما يحدث لنيويورك العشرينات حيث الثراء الفاحش مع خواء ونفاق وفساد يطيح بكل شيء  
الإبهار كهدف:
على مدار 45 دقيقة من الفيلم وعبر عيون الكاتب الشاب لا نجد سوي حفلات باذخة ضخمة تغرق فيها المدينة وأهلها يعيشون فى ملذات حسية من شرب الخمر والخيانة الزوجية والرقص
ينشغل المخرج بتقديم ذلك الإبهار لدرجة التخمة دون تقديم الشخصيات أو الحكاية
حتى نصل بعد كل هذا الزمن الفيلمي وكل تلك الحفلات لمعلومة واحدة وبداية الخيط
أن جاتسبي يقيم كل هذه الحفلات من أجل حضور حبيبته القديمة "ديزي" لمرة واحدة !
فيلم مختلف:
بعد هذا الاستعراض المبالغ فيه ندخل لحكاية الفيلم وهي قصة حب مستحيلة الاكتمال بين جاتسبي وديزي فهي الآن زوجة لرجل آخر أما الأهم فهو فقره وتواضع أصوله الطبقية وتاريخه حيث جمع ثروته من التهريب واستغلال توحش الرأسمالية عبر صرعة البورصة والثراء السريع التي سادت فى تلك الفترة
وعلاقة الكاتب الشاب بالأمر أنه الشاهد ورسول الغرام فهو ابن عم ديزي وهو أكثر من يقدر خصائص ونبل جاتسبي وسط هذا العالم المزيف
هذا النبل يكمن فى إخلاصه لحبيبته  ورغبته فى إرضائها ولو فعل المستحيل عبر الثراء غير المشروع وتحمل جريمتها فى حادث سيارة
الفخ:
يقدم الفيلم كيف يخون أهل المجتمع الأثرياء زوجاتهم وكيف ينغمسون فى الفساد ويحاصرون النبيل الوحيد –جاتسبي- الوحيد العاشق الذي يحاول فعل المستحيل من أجل محبوبته
لكن يضيع حلمه الذي أوشك على الاكتمال
إذا كانت الرواية تبحث عن جوهر الأشياء المختبئ تحت المظاهر الخادعة
فالفيلم عندما يعالجها يسقط فى الفخ فالمخرج –وقد كتب السيناريو أيضا- ينهمك فى استغلال الميزانية الضخمة فى تصوير مبهر بصريا دون عمق حقيقي فى التناول
فالحفلات تستهلك طاقة المخرج حتى أن لا يشغل باله بعناصر فيلمه
حتى أننا نجد الأداء التمثيلي مسرحيا والشخصيات تبدو مرسومة بشكل متعجل حيث يتم الحكي عن صفاتها دون أن نحس سماتها فى تصرفاتها  
وفى المساحة الوحيدة التي أتاحها المخرج لإبداع ممثليه فى ذروة درامية وهي مواجهة جاتسبي أمام الزوج وفى حضور ابن العم –وصديقتها – نجد أن حضور الصديقة غير مفيد دراميا ودون أن معنى
ونجد الأداء المسرحي يطغى على المشهد ويبدو أفضل ممثلي الفيلم دي كابريو يعاني لإخراج انفعالات تليق بالموقف المركب
تحت الجلد:
شتان بين محاولة صنع فيلم عما لا يقال وبين صنع فيلم يقول لنا مباشرة أنه يتحدث عما لا يقال
لقد أهدر الفيلم مثلا شخصية بثراء الكاتب /الراوي فهو فى النصف الأول يفتح فمه مبهورا وفى النصف الثاني يقطب حاجبيه ، رغم أنه مدخلنا لعالم المدينة الجنوني وهو من يقوم بدور رسول الغرام وهو أخيرا الشاهد على مأساة جاتسبي والوحيد الذي أحبه ومنحه لقبه أي جاتسبي العظيم
هل تحاملنا على الفيلم ؟
الحقيقة أن التحامل صنعها صناع الفيلم بأنفسهم
والتسلية فى السينما ليست عيبا ولذلك يمكن الحديث عن مهارة التصوير والديكورات والملابس والإكسسوارات بعيدا عن الحديث عن مضمون إنساني وفني عميق للفيلم
لقد حمل المخرج فيلمه بما لا يحتمل عندما كرر فكرة الرب عبر لوحة تصور عيونا تراقب الزنوج والفقراء أثناء صنعهم لخطوط السكك الحديدية وخدمة الأثرياء
حتى هنا لا نحاول نحن فرض هذا التأويل –أعني عيون الرب التي تشاهد المأساة-وإنما يقولها الكاتب بشكل مباشر أكثر من مرة
فبدلا من التلميح نجد التصريح
وبدلا من أن تفكر فى رمزية ما تراه ستسمعه عبر الحوار مثلما فعل في معظم حوار الفيلم تحديدا الكاتب الذي يحكي لنا الحكاية ويفضح مكنون الشخصيات !
لذا فهو فيلم استهلاكي لطيف رغم إزعاج محاولات العمق الفني !
__________
نٌشر المقال بمجلة أبيض وأسود (عدد سبتمبر وأكتوبر 2013) .