Jul 6, 2015

مع الذكريات..خلود شخصية بعد اندثار فيلم !


 مع الذكريات ..
 خلود شخصية بعد اندثار فيلم ! 
أشرف نصر 

فيلم
: مع الذكريات
 تأليف وإخراج: سعد عرفه
 بطولة: أحمد مظهر- مريم فخر الدين-نادية لطفي- صلاح منصور إنتاج: 1961 
"شريف ممثل شهير يعاني من حالة نفسية بعد إطلاقه الرصاص على حبيبته وخطيبته إلهام اثناء تصوير مشهد، بعد أن قام مساعده  مدبولي"الأحدب المجنون " بوضع رصاص حقيقي بدلا  من الرصاص "الفشنك" فى مسدس التصوير"
 للوهلة الأولى تبدو فكرة الفيلم جاذبة للاهتمام ومع تطور الأحداث سنرى كيف تظهر المفاجأة الدرامية والحقائق مختلفة عما يظهر لنا، فالدوافع لدى الشخصية (شخصية مدبولي –التي نظلمها لو وقفنا عند وصفها بالأحدب المجنون) تضعنا فى عالما دراميا مثيرا باعثا للأسئلة وتكرار المشاهدة،
 لكن، المفارقة أن شخصية مدبولى تحلق فى سماوات بعيدة، بعيدا عن بقية الشخصيات بل وبعيدا عن الفيلم ككل بأفقه المحدود، فى عناصره من سيناريو وإخراج وتمثيل ،
فالمكان كما "يقول الكتاب" بين الاستديو وبحيرة قارون والمشاهد رومانسية "حسب المفهوم التقليدي للرومانسية" والحوار مباشر، الشخصية تقول ما بداخلها للمشاهد كأنها كتاب مفتوح تفهم نفسها تماما و"تسقيه" للمشاهد الذي يتابع الأفكار المعتاد عليها فى قصص الغرام، مع مشاهد المطر وارتطام الشباك فتسقط صورة الحبيبة، والنزهة فى مركب، وغيرها من وصفات جاهزة،
ولو نظرنا للبطل "شريف"ربما تفقد الإيهام وتتحول للنقيض من الأثر المطلوب فى التعاطف مع ازمة البطل إلى السخرية من كلامه وتصرفاته، وفى ساعة أو أكثر من الفيلم تجد الإيقاع هادئ لدرجة الملل..دقائق طويلة شريف يقف أمام البحيرة "بحيرة قارون" ينظر للموج، أو يقف فى البيت ينظر لصور حبيبته ، فى محاولة للتعبير عن أزمته، ونرى باسهاب المرض واحضار الطبيب والهذيان باسم "إلهام" ثم نعود بالزمن لنرى قصة حب رومانسية بينهما،
حب "تقليدي" من اكليشهات التصرفات والحوار والمشاهد وخلال استعدادات الزواج يلح الكاتب/ المخرج سعد عرفة على المشاهد بفكرة (انظر لبراءة إالهام واخلاقيتها) و-كانه يتعامل مع مشاهد غبي- يصر على المعلومة مرات عدة من أجل التمهيد للمفاجاة التي ستقلب الرؤية والحكم عند المشاهد
، بأن إلهام كانت خائنة ومدبولي فعل ذلك من "فرط محبته" لصديقه، وفى تصرفات شريف ينقلب الأمر من شخص طيب لشخص "عبيط" ونحن نراه يفعل ما يفعل ،حتى انه يرى فى البداية مدبولي يحاول اغتصاب حبيبته فلا يريد طرده من العمل "كي لا يقطع عيشه"!
 فهل من عاشق ملتاع من أجل قبلة ويكابد من أجل اللقاء الجسدي بحبيته ويعاني من اصرارها "الأخلاقي" ألا يحدث إلا بعد الزواج، هل هذا تصرفه عند دخوله ورؤيته لمحاولة اغتصابها ممن بعطف عليه، سيبقى حريصا على تلك الطيبة، ربما!
وبالطبع لن نجد أفضل من أحمد مظهر بذلك الجمود و"التخشب" فى الأداء(فى الكثير من أدوراه) من أداء شخصية مرسومة دراميا بتلك  الوصفة الجاهزة سنجد بقية الشخصيات والأحداث ومنها شخصية آمال، التي تحب شريف الذي رباها لقرابتهما البعيدة و"تتفاني فى حبه على طريقة: والحب من غير أمل أسمى معاني الغرام" الطريقة التي ربت أجيالا على استعذاب الماسوشية والمهانة فى علاقات الحب، عبر تلك النوعية من الأغاني والأفلام،
 ولكن الفيلم الذي –اظنه- "اندثر" فى ذاكرة المشاهد أو على الأقل يحتاج جهد للتذكر،
صنع لنا أيقونة خالدة هي شخصية مدبولي التي قدم بها صلاح منصور واحدا من العلامات فى فن الأداء
، المكياج بالحواجب الثقيلة، والشارب، و"كتلة" حدبة الظهر وبذلة وحيدة طوال الفيلم، أشياء مهمة طبعا، كرسم خارجي للشخصية، لكن الأهم هو المحتوى، فكما الشكل علامة بصرية، يقدم لنا صلاح منصور علامة نفسية، فى شخصية ثرية كشخصية مدبولي (والتي لو رسم السيناريو بقية الشخصيات كما رسمها لكنا أمام فيلم أروع كثيرا،والغريب مهارة حوارها عكس باقي الشخصيات) كأننا أمام صورة نبيلة من فكرة" الدبة التي قتلت صاحبها" فمدبولي سيقتل ، أو بالأدق يدفع صاحبه للتخلص ممن لا تستحقه، لاحظ جمله البسيطة الرائعة فى الحوار عند اكتشاف الخيانة،
 ونعني جملا مثل: بس الأستاذ شريف هيزعل، وعند حديثه عن الخائن أو عشيق إلهام: أنا اطلع له بطوبة وهو هيخاف،
 تفكير مدبولي كتفكير الأطفال بسيط وواضح ويصل للتعبير عن أفكاره عبر مخزونه الضئيل من الكلمات والتصرفات لكنها دائمة صادقة
، صلاح منصور هنا يحني ظهره نعم، لكن يرفع قامته كممثل أمام أقرانه فى العالم، كل مشهد هو درس فى الأداء،
فمثلا فى مشهد الاغتصاب المفترض نرى أنه يقبل إلهام ويحتضنها بأداء عشوائي مناسب لاعاقة يده وصعوبات الحركة مع الحدبة التي تثقل الظهر،
وحين يحكي حقيقة الأمر لشريف وكيف دبرت إلهام ذلك نرى كيف كانت إلهام تتشبث به وتدعي عليه لطرده واخفاء جريمتها، سنراه يؤديه بطريقة مختلفة تظهر عجزه عن المقاومة (مقاومة الأصحاء بدنيا) ،
 أو فى مشهد القتل وكيف تغيرت انفعالاته من الضحك عند مقتل إلهام للبكاء وهو يرى حزن شريف عليها، وبعد شخصية/دور/أداء كهذا، يقدم صلاح منصور"مسك الختام" حين ينتهي من اثبات براءته عند صديقه ويكشف الحقيقة، يموت فاتحا عينيه وفمه فى جلسته على الكرسي، مع جمود الوجه فى أداء
مبهر، لصعود روح مدبولي للسماء لتشكو لها ما جرى لها مع البشر القساة وأفعالهم الحقيرة !
***
نشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 42 يونيو 2015