Oct 13, 2013

فيلم جاتسبي العظيم



فيلم جاتسبي العظيم
إبهار وتسلية ولكن!
أشرف نصر
The Great Gatsby (2013)
  رواية: فرنسيس سكوت فيتزجيرالد
سيناريو: باز لوهرمان – كريج بريس
إخراج: باز لوهرمان
بطولة : ليوناردو دي كابريو – كاري موليجان - توبي ماجواير
"فى نهاية العشرينات من القرن الماضي ينتقل نك كاراوي كاتب شاب إلى نيويورك حيث انفجرت الثروة والملذات وحياة الحفلات الصاخبة ليدخل حياة رجل غامض هو جاتسبي يبدو كصانع لعالم هذه المدينة ، يقرب جاتسبي الكاتب منه فيكتشف الكاتب حقيقة عالم المدينة المزيف"
تتحدث جملة فى الفيلم عن الإمبراطورية الرومانية وانهيارها
وهو ما يحدث لنيويورك العشرينات حيث الثراء الفاحش مع خواء ونفاق وفساد يطيح بكل شيء  
الإبهار كهدف:
على مدار 45 دقيقة من الفيلم وعبر عيون الكاتب الشاب لا نجد سوي حفلات باذخة ضخمة تغرق فيها المدينة وأهلها يعيشون فى ملذات حسية من شرب الخمر والخيانة الزوجية والرقص
ينشغل المخرج بتقديم ذلك الإبهار لدرجة التخمة دون تقديم الشخصيات أو الحكاية
حتى نصل بعد كل هذا الزمن الفيلمي وكل تلك الحفلات لمعلومة واحدة وبداية الخيط
أن جاتسبي يقيم كل هذه الحفلات من أجل حضور حبيبته القديمة "ديزي" لمرة واحدة !
فيلم مختلف:
بعد هذا الاستعراض المبالغ فيه ندخل لحكاية الفيلم وهي قصة حب مستحيلة الاكتمال بين جاتسبي وديزي فهي الآن زوجة لرجل آخر أما الأهم فهو فقره وتواضع أصوله الطبقية وتاريخه حيث جمع ثروته من التهريب واستغلال توحش الرأسمالية عبر صرعة البورصة والثراء السريع التي سادت فى تلك الفترة
وعلاقة الكاتب الشاب بالأمر أنه الشاهد ورسول الغرام فهو ابن عم ديزي وهو أكثر من يقدر خصائص ونبل جاتسبي وسط هذا العالم المزيف
هذا النبل يكمن فى إخلاصه لحبيبته  ورغبته فى إرضائها ولو فعل المستحيل عبر الثراء غير المشروع وتحمل جريمتها فى حادث سيارة
الفخ:
يقدم الفيلم كيف يخون أهل المجتمع الأثرياء زوجاتهم وكيف ينغمسون فى الفساد ويحاصرون النبيل الوحيد –جاتسبي- الوحيد العاشق الذي يحاول فعل المستحيل من أجل محبوبته
لكن يضيع حلمه الذي أوشك على الاكتمال
إذا كانت الرواية تبحث عن جوهر الأشياء المختبئ تحت المظاهر الخادعة
فالفيلم عندما يعالجها يسقط فى الفخ فالمخرج –وقد كتب السيناريو أيضا- ينهمك فى استغلال الميزانية الضخمة فى تصوير مبهر بصريا دون عمق حقيقي فى التناول
فالحفلات تستهلك طاقة المخرج حتى أن لا يشغل باله بعناصر فيلمه
حتى أننا نجد الأداء التمثيلي مسرحيا والشخصيات تبدو مرسومة بشكل متعجل حيث يتم الحكي عن صفاتها دون أن نحس سماتها فى تصرفاتها  
وفى المساحة الوحيدة التي أتاحها المخرج لإبداع ممثليه فى ذروة درامية وهي مواجهة جاتسبي أمام الزوج وفى حضور ابن العم –وصديقتها – نجد أن حضور الصديقة غير مفيد دراميا ودون أن معنى
ونجد الأداء المسرحي يطغى على المشهد ويبدو أفضل ممثلي الفيلم دي كابريو يعاني لإخراج انفعالات تليق بالموقف المركب
تحت الجلد:
شتان بين محاولة صنع فيلم عما لا يقال وبين صنع فيلم يقول لنا مباشرة أنه يتحدث عما لا يقال
لقد أهدر الفيلم مثلا شخصية بثراء الكاتب /الراوي فهو فى النصف الأول يفتح فمه مبهورا وفى النصف الثاني يقطب حاجبيه ، رغم أنه مدخلنا لعالم المدينة الجنوني وهو من يقوم بدور رسول الغرام وهو أخيرا الشاهد على مأساة جاتسبي والوحيد الذي أحبه ومنحه لقبه أي جاتسبي العظيم
هل تحاملنا على الفيلم ؟
الحقيقة أن التحامل صنعها صناع الفيلم بأنفسهم
والتسلية فى السينما ليست عيبا ولذلك يمكن الحديث عن مهارة التصوير والديكورات والملابس والإكسسوارات بعيدا عن الحديث عن مضمون إنساني وفني عميق للفيلم
لقد حمل المخرج فيلمه بما لا يحتمل عندما كرر فكرة الرب عبر لوحة تصور عيونا تراقب الزنوج والفقراء أثناء صنعهم لخطوط السكك الحديدية وخدمة الأثرياء
حتى هنا لا نحاول نحن فرض هذا التأويل –أعني عيون الرب التي تشاهد المأساة-وإنما يقولها الكاتب بشكل مباشر أكثر من مرة
فبدلا من التلميح نجد التصريح
وبدلا من أن تفكر فى رمزية ما تراه ستسمعه عبر الحوار مثلما فعل في معظم حوار الفيلم تحديدا الكاتب الذي يحكي لنا الحكاية ويفضح مكنون الشخصيات !
لذا فهو فيلم استهلاكي لطيف رغم إزعاج محاولات العمق الفني !
__________
نٌشر المقال بمجلة أبيض وأسود (عدد سبتمبر وأكتوبر 2013) .