Aug 12, 2013

قيصر يجب أن يموت

قيصر يجب أن يموت
Cesare deve morire  عنوان الفيلم الأصلي:
الجنسية: إيطالي
إنتاج:2012
تأليف: وليم شكسبير (النص المسرحي) -  باولو تافياني - فيتوريو تافياني
إخراج: الأخوان تافياني
حصل الفيلم على جائزة الدب الذهبي من مهرجان برلين 2012
"فى سجن مخصص للسجناء شديدي الخطورة بجزيرة معزولة يذهب مخرج مسرحي ليطلب من المساجين تقديم مسرحية يوليوس قيصر فيقومون بالتدريب وعمل البروفات حتى يتم تقديم العرض الذي يحضره زوار السجن"
هذه فكرة فيلم"قيصر يجب أن يموت" لكن لأن السينما أعمق من مجرد فكرة وأعمق أيضا من الحكاية / الحدوتة نجد أن هذه التحفة السينمائية التي يقدمها الأخوان تافياني بعد بلوغهما سن الثمانين تفتح لنا آفاقا واسعة من الخيال والبحث عما بين السطور وخلف المشاهد لنفكر فى أفكار أعمق ونطرح على أنفسنا عشرات الأسئلة
الفيلم عبارة عن مسرحية داخل فيلم بمعنى أننا طوال زمن الفيلم 1:13 دقيقة نتابع حوارات المسرحية أثناء تدريب الممثلين وحوارات بينهم تقطع مشاهد المسرحية يتحدثون عن أنفسهم وحياتهم داخل السجن وقبل دخوله
فنرى تحول السجن لمسرح متكامل فالمساحين يتدربون على أدوارهم فى الزنازين ويحيون قيصر من الشبابيك وساحة السجن تصبح ميدان روما الذي يمر فيه قيصر بالجماهير
الكل يشترك فى اللعبة المسرحية وتصبح يومياتهم فى السجن هي يوميات المسرحية
والفيلم معظمه بالأبيض والأسود ولا يوجد به مشاهد ألوان إلا فى مشاهد قليلة  كالعرض المسرحي وفى لقطات للجزيرة من الخارج ومشهد النهاية.
لنتذكر حقيقة الوضع هؤلاء ليسوا أحرارا وإنما داخل سجن وهم ليسوا مجرد مجموعة من محبي التمثيل بل بينهم القاتل وتاجر المخدرات الخ
وكأن حياتهم الرتيبة داخل السجن هي لونين فقط أبيض وأسود والمسرحية هي التي منحتهم الألوان ،ولا يصلون لتلك الألوان إلا بعد اكتمال العرض ، ليكون دالا جدا وقد انتهى العرض وأثناء عودتهم للزنازين ليختم مع جملة هامة لإحدى الشخصيات :منذ أن خبرت الفن تحولت هذه الزنزانة إلى سجن.
فالمسرحية حولت هؤلاء المجرمين لبشر وجعلتهم يتناسون السجن والقيود والحرمان من الحرية والاندماج فى فعل حياتي ومتعة من متع الناس "العاديين"
أما المفاجأة الأكبر تأتينا من معلومة أن الفيلم ليس روائيا خالصا بل هو تسجيلي / روائي فقد ذهب الأخوان تافياني بالفعل لهذا السجن وقدما الفيلم وسجلا البروفات والمسرحية مع الأبطال / المساجين
ومع تترات النهاية نجد تحولات أحدثتها التجربة عليهم فنعرف أن منهم من كتب ونشر كتابا عن التجربة ومنهم من عمل بالتمثيل بعد خروجه (قبل بإطلاق سراح مشروط قبل انتهاء فترة عقوبته وأصبح ممثلا محترفا) إلخ
ربما يمكننا الفهم الآن لماذا اختارا يوليوس قيصر، فالنص الذي كتبه وليم شكسبير به الصراع السياسي على السطح ولكنه على المستوى الأعمق يبحث بين السطور عن الصداقة والوفاء والخيانة وغيرها من مشاعر بين أصدقاء أو رفاق رحلة هم فى النص المسرحي يوليوس قيصر وبروتوس واوكتافيوس وغيرهم وعلى مستوى السجن هم الممثلون أو المجرمون الذي يتشاركون المكان والطعام والحياة القاسية
لذا نجد فى أحد المشاهد يخرج الممثل الذي يلعب دور قيصر عن النص ليوجه لوما قاسيا لزميله الذي يؤدي دور الواشي المحرض الحقير
لنكتشف أن المشكلة بينهم أيضا فى الحقيقة ولذلك يخرجون من الغرفة لتصفية حسابهما وبعد انتهاء الحساب أو العتاب أو المشاجرة(وهو ما لا نراه) نجدهما يعودان للغرفة ليكملان البروفة
فكما تأثر المجرمين باللعبة المسرحية قد أثروا فيها بخلافاتهم وخلفياتهم المشحونة بالمشاكل والصراعات المناسبة مرة أخرى للنص المختار من شكسبير أي يوليوس قيصر
وإذا كانت المغامرة بدأت باختيار نص مسرحي وجنون فكرة اختيار مساجين فعليين وليس ممثلين محترفين للقيام بالتمثيل فإن التجربة دفعت الاخوين تافياني للتعامل مع حدود السجن المعزول على سطح الجزيرة كأنه العالم فنحن لا نخرج عن حدود المكان ونظل فى عزلة/سجن معهم فى الزنازين الخانقة ،الممرات الصغيرة والغرف الضيقة
ولا نكاد نحس بحركة الكاميرا أثناء الأحداث فالحياد الظاهري يضعنا (نحن المشاهدين) فى نفس الأجواء (السجن) حتى نصل جميعا لنفس الحالة من الحرمان من الحرية ونفس الرغبة فى التحليق بالخيال خارج أسوار السجن حتى لو كان السبيل الوحيد هو المشاركة فى عرض مسرحي سوف يراه عدد محدود من الناس!
أشرف نصر 
نشر المقال بمجلة أبيض وأسود
عدد يوليو-أغسطس 2013