كتبت : هالة دحروج
لم يتعمد كاتب الرواية " أشرف نصر" أن يضع اسما غامضا لعمله ـ كما يفعل
الكثيرون- لشد انتباه القارئ، ولكنه ـ علي العكس ـ عنون روايته باسم تفهم منه منذ
الوهلة الأولي طبيعة الموضوع الذي سيتحرك فيه الكاتب بل تبدأ في تصور سلوك شخصياته قبل أن تقرأ كلمة واحدة من داخل الرواية.
فعندما تظهر في العنوان بجانب كلمة حرية كلمتا " دوت كوم" تفهم أنه يدخلنا عالم النت والمنتديات الخاصة بالشات والدردشة عبر أجهزة الكمبيوتر التي يمتلكها أشخاص من بلدان مختلفة يعرضون معاناتهم ومشاعرهم واهتماماتهم عبر التفاعل مع آخرين لا يعرفون عنهم شيئا.
وعلي الرغم من أن هذا التوقع لم يخب ولكنه في الوقت ذاته لم يمنعنا من الدهشة والمفاجأة، وهذا يرجع بالفعل إلي قدرة الكاتب علي تناول المجتمع وأزماته وما يعانيه البشر دون أن يقول كلمة مباشرة أو خطابية واحدة، جعلنا نشاهد أنفسنا عبر روايته ويحول حالة اللامبالاة التي تعترينا ـ أو تعتري أبطاله- إلي حالة من الوجع المضاعف.
تبدأ الرواية بشخصية نتصور في البداية أنها الشخصية الرئيسية ولكنها لم تكن ذلك، فأشرف هذا الشاب الذي يستيقظ علي خلافات بين والديه حول الفلوس والمصاريف يبدو في حالة لامبالاة لما يدور حوله وبدأ في التذكر عندما جلس أمام الكمبيوتر وبدأ الدخول في عالمه.
الرواية بالأساس "رواية شخصيات" حيث إن عوالمها المختلفة لم تشكل أوجاعا مختلفة أو دوافع مختلفة لتعاطي التواصل عبر النت …. شخصيات تشعر بالوحدة والغربة حتي في ظل عوالمهم المزدحمة، يعانون من ازدواجية فهم يتطلعون في خيالهم لحياة مختلفة عما يعيشونها في واقعهم المجدب وبالتالي كانت المنتديات هي الأنفاق السرية التي يجدون فيها فرارا من واقع لا يحتملون التواجد فيه طيلة يومهم. فالرواية لا يحتكرها بطل واحد بل تجمع بين العديد من الشخصيات والأبطال مختلفي الجنسيات والميول والانتماءات، حياتهم كما يعرضونها مختلفة طوال الوقت عما هي عليه في الواقع وكأنهم هنا يمارسون كبت أنفسهم طواعية وليسوا مجبرين علي هذا كما هو الحال في الواقع. تظهر الازدواجية منذ الطقوس الأولي للتعامل في المنتديات علي مستوي أسماء الشخصيات، فهذه ليلي التي تقدم نفسها للمنتدي باسم " مروة" و مجيد "مهاجر" وسهيل " red s" وخليل " السوهاجي" وغيرهم من الشخصيات الذين جمعهم منتدي "حرية دوت كوم"
تبرز هنا قدرة الكاتب علي التنقل بين واقع الشخصيات الحقيقي وواقعهم عبر المنتدي، فهو يفعل ذلك برشاقة متناهية، فأنت تري العالم كله بكل صراعاته وأزماته وحروبه من حرب العراق والطائفية والقضية الفلسطينية حتي الغلاء والبطالة والأزمات الاقتصادية والاجتماعية، كل هذا مغلف بالبحث عن المتعة الجنسية المجانية والسرية في آن واحد، فمعظم الشخصيات دخلت هذا المنتدي بفعل اسمه الذي قد يوحي أنه يتناول مشاهد وأفلاما جنسية ممنوعة وبالتالي الرغبة في الحصول علي الممنوع وتحويله لمتاح كان دافعا للشخصيات علي اختلاف مجتمعاتها من
للبناني لمصري لخليجي.
كل الشخصيات وهي تحاول الخروج من حياة الكبت والإحباط عبر التواصل في هذا المنتدي تصورت أنها ستعبر عن نفسها بحرية ولكنها جبلت علي الكبت والاضطهاد وتربت علي كبت مشاعرها وتصدير صورة مثالية ميتة لأنفسها …. فها هي رغد امرأة مطلقة ولها ابن شاب تدخل عالم المنتدي من باب الخوف علي ابنها من هذا العالم الغامض ومحاولة فهم ما يدور في أذهان هؤلاء الشباب فإذا بها تقع وتتحول إلي مشاركة نشطة، ولكنها تخاف أن تعلن عن نفسها وتبدأ في المشاركة بأفكار مختلفة تبعد بها الشباب عن الأفلام الجنسية التي يرغبون فيها علي المنتدي، ولكنها تتسلل في غياب ابنها لتفتح هذه الأفلام لتنفس عن نفسها ورغباتها التي دفنتها تحت رداء من إيثار الابن والاكتفاء بتربيته ورفض الارتباط بآخر من أجله…. كذلك "سهيل اللبناني" الذي يحب "مريم الفلسطينية" التي تتبني مبادئ تحرير الأرض تماما وضد التسويات والتعايش بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ولكن لأنه يحبها يحاول أن يعبر عن وجهة نظرها التي لا تروق له ويري أنها مثالية ومضحكة، ويجد نفسه يفعل الشيء نفسه علي المنتدي الذي اختاره طواعية ليعبر عن أفكاره التي لا يستطيع البوح بها في الواقع.
كل هذه الشخصيات تتصور أنها بدخولها المنتدي ستجد نفسها ولأنها تعودت علي أن تعيش مالا تريده، عندما أتيح لها ـ بالوهم ـ أن تكون نفسها لم تعرف كيف هي الصورة التي تكون عليها ذواتها الحقيقية، فكيف التعرف علي ملامحنا الحقيقية التي لم نرها من قبل؟! هذا هو سؤال الرواية الحقيقي الذي يجعل من قراءتها تجربة ممتعة.
· هالة دحروج – جريدة البديل 30 /5 /2008
· توقفت جريدة البديل عن الصدور ثم توقف موقعها على الإنترنت.
· كنت قد أعدت نشره هنا ثم حذفته بسبب مشكلة تقنية فعذرا.
No comments:
Post a Comment