Aug 24, 2014

الحب الذي كان


الحب الذي كان
محاولة التجديد داخل التيار السائد
أشرف نصر
تأليف: رأفت الميهي
إخراج: علي بدرخان
بطولة: سعاد حسني – محمود ياسين – محمود المليجي
لفترات طويلة من عمرها،قدمت السينما المصرية مجموعة من التيمات القليلة فى الكتابة يدور معظمها فى إطار علاقات الحب وصعوبات الزواج،وتباينت المعالجات حسب وعي وموهبة صناع السينما وظروف إنتاج كل تجربة فتأرجح الأداء صعودا وهبوطا، وظلت محاولات التجريب والمغامرة محاولات أقل عددا وتباعدا –زمنيا- فى تيار السينما الرئيسي،ولقلة عدد التجارب المغايرة مقارنة بالتيار السائد، احتفظت فى نفوس عشاق السينما بمكانة غالية،ولو حاولنا وضع فيلم "الحب الذي كان" فى ذلك الإطار سيبدو كأنه لا يسعى للتمرد كلية على تيار السينما الرئيسي وإنما يسعى للتجديد من داخله وضخ دماء جديدة فى المسارات المعروفة ..من تلك التيمات الدرامية تيمة المثلث الشهير –عالميا ومصريا- الزوج والزوجة والعشيق.
ومن أول مشهد يطرح الكاتب أوراقه للمشاهد،نعرف اطراف "الصراع" وحبكة الفيلم ونكتشفها كلها دون مفاجآت درامية أو توقعات بمسار مختلف،الزوجة تذهب للقاء حبيبها وسط التوجس من اكتشاف علاقتهما،ويظل التطور أفقيا لا رأسيا،بمعنى أن الأمور لا تتصاعد كثيرا بعدها،فيظل الالحاح بعدها على ما جرى بعد اكتشاف العلاقة وبعد طلاق الزوجة حين يواجه الحبيبان –الزوجة و"العشيق"- استهجان الجميع لمحاولتهما الزواج.
أما طرق التجديد فى الفيلم من داخل نفس الصيغة، ستكون بالاستغناء عن ميلودراما الأربعينات مثلا،ولن نجد الأغاني العاطفية والحلول المتصالحة فى النهايات السعيدة،بل إن الحب مصيره الفشل، ونلاحظ أن العنوان من أول وهلة يوضح ذلك،ومن ذكاء الكاتب هو اختياره للطبقة المتوسطة لأطراف المثلث،ومهما تم امتداح هذه الطبقة/تظل الطبقة التي تحمل ازدواجية لا حد لها،تحمل تناقضات المجتمع بأسره،فالمجتمع لن يمانع فى لجوء زوجة للخيانة وسيبدو مستوعبا للأمر ومبررا له،لكنه يغضب ويرفض تماما أي محاولة للخروج للعلن،ولنظل جميعا نظهر النقاء والأخلاق،والعفن يضرب جذور المجتمع،
أما الشخصيات فقد بدا–عن قصد أو لشروط سينما النجم- كلها أحادية متوقعة التصرفات ،نمطية السلوك،الزوج –وهو أضعف شخصيات الفيلم- مشغول بعمله،والحبيب/العشيق سلبي،ووالد مها وشقيقتها كأم سامي كالأستاذ كالزملاء،كلهم نغمة واحدة هي رفض علاقة الحب،دون ظهور جوانب أخرى لأي شخصية،وحدها شخصية مها هي المرسومة بعناية شديدة،هي التي نتعرف على جوانبها وصراعاتها النفسية وآلامها فى قصة الحب التي دمرتها.
ومزج الكاتب كاسرا للرتابة فى عدم تطور الحدث بالانتقال بين زمنين،حيث يمزج بين الزمن القديم فى قصة الحب أثناء الجامعة بين سامي ومها،وبين الحاضر وعذابهما بعد أن تزوجت مها بغير رغبتها بمن لا تحب،ومحاولتها العودة ل"الحب الذي كان"
وتكررت الفلاشات مرات من وجهة نظر سامي ومرات من وجهة نظر مها سواء عند جملة حوار أو فى السيارة أو فى البيت، لكن أفضل استغلال له جاء بصريا حين تتذكر مها بعض تلك الأحداث والصعوبات ونظرات الناس بينما هي تعوم فى حمام السباحة فى النادي، فبدت كمن تصارع الأمواج المجتمعية والصعوبات التي تعترض حبها وحياتها.
أما ما يظل فارقا ومبهجا وعالقا بالذهن:سعاد حسني،التي كانت فى تلك المرحلة قد نضجت فنيا وانسانيا،لم تعد البنت الشقية المرحة الشقية المبهجة،فى أفلام الستينات مثلا،بل تقدم هنا المرأة الممزقة بين الحب وبين عوائق وزيف المجتمع،تستغل طبقة صوتها الخفيض وحزن العين وحركات قليلة لليد وخطوات متثاقلة فى مشيتها لتوصيل الإحساس،سوف نجد "مها" التي قدمتها سعاد حسني هي المرأة الحزينة مهما حاولت اخفاء ذلك،ابنة الطبقة المتوسطة المكبلة بالقيود،يمتزج الضحك والدموع معا فى آن،تشتهى الحب ويتم حرمانها منه،بدت مها مهزومة وبائسة مفتعلة التماسك،وفى واحد من أجمل مشاهدها فى الفيلم تحدث حبيبها فى كابينة التليفون وتفتعل التماسك بينما شباب النادي يقفون يسخرون منها خلف الزجاج ويلصقون وجوههم بالزجاج كالأطفال،لكن مرحهم هو حقارة مجتمع وليس مرح أطفال،
تماما مثل أصدقاء حبيبها سامي الذين ينهشون سيرته وحين يسمعهم يحاول أحدهم التبرير بتلعثم: الحقيقة يا سامي..فيجيبهم سامي وهو يخرج ناطقا بجملة "مفتاح":الحقيقة ايه؟! الحقيقة انكوا كلاب.
و نلاحظ أن الكاتب بعدها طور المثلث بشكل أكثر تعقيدا "وصدقا" و"قسوة" فى فيلمه "عيون لا تنام"، والمخرج بدا هنا –وهو أول أفلامه - ركز على اداتين من أدوات المخرج هما الممثل والموسيقى،فزوايا الكاميرا فى مكانها– المفترض- ،احجام اللقطات لن تحاول التركيز سوى على وجوه الممثلين عند نطق حوارهم،ومستفيدا بتوظيف الممثلين ونضجهم– فى زمن صناعة الفيلم- ..وسوف نجد فى الفيلم تفصيلة – مبهجة – و– جديدة – هي فى مشهد –دون حوار- لمها وسامي يتخيلان صورة الزفاف ويجلس سامي ب"تكشيرة" وتقف مها" بتجهم" تضع يدها على  كتفه،وهذه واحدة من أشهر الصور "الذهنية" لصور الزفاف خاصة فى الماضي،ثم يقلب المشهد وهما يضحكان على تخيلهما لمثل هذه الصورة، كما نلاحظ ابتعاده عن الغناء مكتفيا بالموسيقى التصويرية التي ألفها –عمر خورشيد- الذي يعد من الأسماء الشهيرة فى جيل السبعينات من الموسيقيين ومعبرا بموسيقاه والآلات الغربية كالجيتار عن قاهرة السبعينات ورومانسية/وصخب ذلك الجيل الممزق بين حلم الستنيات وفوضى السبعينات،
***
نُشر المقال بمجلة ابيض وأسود
العدد 31 يوليو 2014