All Is Lost
فقدان كل شيء وسر الأمل !
أشرف نصر
فى فيلم "كل شيء مفقود" أو
"الكل ضائع" يبحر بنا الكاتب/المخرج
جي سي شاندور فى عالم مذهل ببساطته
عسير فى مواجهته ،لكن لابد للرحلة أن تتم ولابد أن نصل أو نضيع!
يتخلص المخرج من عناصر كثيرة فى الدراما أو
بالأدق يركز على مفرداته التي يحتاجها، فالفيلم يمكن أن نصفه بأنه: شخصية فى موقف!
"بحار يستيقظ فى قاربه البخاري "اللنش"
ليجده مثقوبا ويحاول النجاة" هذه الجملة هي كل حدوتة الفيلم لا نعرف ماضي
البحار العجوز ولن يقدم الفيلم أي فلاش باك ولا أي تخيل لمستقبل بطله فالمهم هو
الحاضر ، المهم هو المواجهة التي وجد فيها الرجل نفسه ،هو والمحيط ،ليس معه من
الطعام ما يكفي إلا لنصف يوم واللنش مثقوب وهو معرض للموت ،يأخذنا المخرج فى رحلة
رأسية وليست أفقية فلا تتوالي الأحداث وإنما يتصاعد الموقف عبر غرق اللنش وبقاءه
وحيدا فى مركب النجاة الصغير وهو يحاول الاعتماد على الخرائط ومواقع النجوم للوصول
لأي نقطة ولأي بارقة نجاة.
إن الحياة التي قُذف فيها الإنسان الأول
وحيدا، بقدرات تبدو للوهلة الأولى محدودة جدا، هي ما تستدعيه الذاكرة ونحن نرى
بطلنا الذي يصارع المطر والريح ومخاطر الغرق والأسماك ،الإنسان هنا ضد العالم، ضد
الطبيعة ، وعليه أن يحول هذا التضاد إلى تناغم .
لا
حاجة للحوار هنا،نعم يقول البطل فى صوت الراوي رسالة تبدو رسالة وداع لمن عرفهم –
ولا نعرف من هم -، ونراه فى نهايات الفيلم قد كتب تلك الرسالة ووضعها فى زجاجة
(برطمان) وألقاها فى المحيط الواسع علها تصل لأحد!
ومع سطور الرسالة القليلة هناك جمل معدودة فى
بقية الفيلم فما الحاجة للحوار وهو وحيد تلك الوحدة الموحشة وهو هنا فى مواجهة
عالم أصم ،طبيعة لن تتكلم معه سوى بأمطارها وبردها وأسماكها!
ليس على البطل إذن سوى أن يواجه، عليه أن
يقاوم ، يتسرب الإحباط لنفسه مرتين عند مرور سفينتين من سفن البضائع ولا يراه أحد
من تلك السفن، فيعود لحقيقة أن عليه الاعتماد على نفسه والمقاومة عبر عقله ،
ومستعينا بقدراته الجسدية ،دون انتظار أحد
والشخصية هنا وإن لم يقدم لنا المخرج أي
تفاصيل عن حياتها إلا إنه يقدم لنا أهم ملامحها ونعني البطولة ويقدم تلك البطولة
فى ملمح واحد ووحيد ودال هو الصمود
فلو كان البطل شخص انسحابي يرغب فى الانتحار
لانتهت القصة فى بدايتها وغرق منذ اللحظة الأولى أو مع فقدان أول بارقة أمل – مركب
البضائع- العابر .
وكما لا يستدعي شخصيات أخرى لعالم بطله ، لا
نجد مفارقات أو مفاجآت درامية، فقواعد اللعبة واضحة ومكشوفة منذ البداية البطل فى
مواجهة البحر ، ويقوم الصراع بينهما وهو صراع بالطبع غير متكافئ لكنه صراع مرير
ليس بسبب قدرات غير عادية للبطل وإنما بسبب العزيمة التي لا تلين
وكما ينفرد الفيلم ببطل وحيد نجد أن الممثل
الأمريكي روبرت ردفورد يقدم فى الفيلم (عزف صولو) تمثيلي مدهش فى بساطته فالممثل
بمرحلته العمرية وخبراته فى الأداء وكأنه يعيش التجربة فى حياته ،ويستطيع المخرج
اخراج الانفعالات المطلوبة عبر قربه معظم الوقت بالكاميرا من ملامح بطله وما يفعله
وعبر اللقطات القريبة والمتوسطة نكون دائما فى نفس مأزق البطل، ويظل المخرج ناقلا
لوجهة نظر البطل وحده ،فنحن مثلا لن نرى أحدا على مراكب البضائع العابرة طالما لم
يرهم البطل، وفى اللقطات الواسعة نرى البطل كنقطة فى بحر لإبراز المأزق وليس لنطل
على تفاصيل أخرى فى العالم أو زاوية مختلفة للحدث
ومثلما لا يفقد البحار العجوز الأمل فى
النجاة ينجح الكاتب/المخرج عبر التفاصيل الصغيرة فى جعل المشاهد منتبها لكل لقطة
ليس خوفا من ضياع جملة حوار أو حدث ما وإنما بسبب الانغماس فى الحالة النفسية
للبطل وعبر لغة الصورة والإيقاع المحكم نجد أنفسنا بدون ملل وبدون انفعالات صاخبة
،وكأننا جميعا على نفس القارب فى المحيط وليس هذا وقت الفرح أو الحزن الخ من
انفعالات ،كل ما علينا هو الصمود والمقاومة ،فى انتظار يد النجاة ،أيا كان مصدر
تلك اليد ، ودون أن نفكر كثيرا إلى أين تسحبنا، المهم فقط هو الأمل!
***
نُشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 26 فبراير 2014