العودة والعصفور
حكاية الغربة والسراب!
أشرف نصر
تأليف:محمد جلال عبد القوي
إخراج:هاني لاشين
بطولة:ميرفت أمين– صلاح السعدني
العصفور يخرج صباحا يسعى للرزق فى الفضاء
الواسع لكنه لابد له أن يعود لعشه،هكذا جاءت الفكرة فى فيلمنا،رحلة
"إيمان" و"منعم" من القاهرة للكويت والعودة،ما بعد الرحلة هو
الأهم لأنها لم تكن رحلة عادية،إنها القصة المؤلمة للشعب المصري الذي ارتحل بعد
قرون من الالتصاق بضفاف النيل،وذهب منذ السبعينات إلى ربوع الأرض،خاصة إلى الخليج بحثا
عما يسمى "الحياة الكريمة"،قدمت العديد من الأعمال عن تلك
"الهجرة" –ربما أعذبها،أعمقها،وأكثرها إثارة للألم فيلمي "عرق
البلح" و"عودة مواطن"- ولكن الحقيقة ان لفظ "هجرة"الذي
استخدم كثيرا منذ العام 1974 ليس دقيقا،فالمصري كائن موسوس ببلده،غالبا لا يهاجر
بل يذهب ويعود ولذا لفظ الرحلة– مهما طالت –هو الأدق،لذا نلاحظ أن ما بعد العودة
هي هاجس أفلامنا،وفكرة العودة والتحولات التي جرت لتلك الشخصيات هي "مربط
الفرس" أكثر من البحث عن تفاصيل الحياة فى الغربة.
الأبرز فى "العودة والعصفور" هو
سلاسة البناء وأسلوب الحكي،فالفيلم "يضفر" بين زمني الحاضر والماضي
منتقلا بينهما لطرح عالمه الفيلمي،يبدأ المخرج بلقطات تسجيلية
"بديعة"ومؤلمة حيث نجد المصريين قد عادوا وكل ما يحملونه أجهزة كاسيت
ومراوح و"حبه هلاهيل/ثيابهم"،وهموم"طفحت" على الوجوه لا تظهر
الفرحة بالعودة،بل الألم مما جرى.
بطلي
فيلمنا "إيمان ومنعم" وجدوا أنفسهم كغيرهم لم يكسبوا سوى تلك
"الهلاهيل" وشقة خاوية فى مدينة تكاد تكون مهجورة – كانت مدينة 6 اكتوبر
هكذا فى زمن صناعة الفيلم-ولكن الأهم أنهما خسرا قصة حبهما الرقيقة.
ويكون البناء بين ذهابهما للسويس لإستلام
محتويات شقة الغربة وهما لا يحتملان بعضهما البعض وقد انتويا الطلاق،وبين قصة الحب
التي جمعتهما فى الماضي،
نرى فى النصف الأول من الفيلم وجهة نظر"
إيمان" ثم ينقل فى النصف الثاني وجهة نظر "منعم"،وحين تكتمل الصورة
فى النهاية،سنعرف أنه لا ظالم ولا مظلوم فى تلك "المأساة المعاصرة" بل
هي ظروف وطن جعل شابة ضحت بتلك التقاليد الزائفة من عفش وشقة وفرح الخ وشاب ضحى
حتى بالبيانو/ميراثه الوحيد عن والده من أجل الحب والزواج،
لكن الثمن هو سر المأساة،فزهرة الشباب ضاعت
فى الغربة وحتى محتويات الشقة – تلك الأشياء الإستهلاكية التي استعبدتنا جميعا خلال
مشوارنا بدلا من أن تمنحنا الراحة – تلك المحتويات ضاعت كالسراب بسبب احتلال
العراق للكويت.
وربما –بسبب القيود والظروف السياسية ولأن
الفيلم إنتاج التليفزيون- لم تذكر العراق صراحة وإحتلال صدام للكويت-..بل إشارات
"لما جري" وجملة مثل:بكره الكويت ترجع لأهلها!
الخلفية السياسية البعيدة تظلل من بعيد حياة شخصيات
الطبقة المتوسطة وتفاصيل الحياة الأسرية والحوار الواقعي والأغاني من الكاسيت أو عزف
منعم مع إيمان على البيانو،لطرح موضوع الفيلم وحكايته ببساطة آسرة،
والمخرج يجعل من تفاصيله الصغيرة ثالث
"إيمان ومنعم" فنحن نرتبط بالبيانو ودبل الخطوبة /الزواج الموضوعة على
"تابلوه" السيارة،وفى واحد من أجمل مشاهد الفيلم:الدبل تهتزعلى التابلوه
بعد أن خلعتها إيمان وتبعها منعم نسمع موسيقى" يا دبلة الخطوبة" بتوزيع
موسيقي حزين ثم يتضح أنها نقلة صوتية للمشهد التالي ، حيث يتغير فقط التوزيع
الموسيقي فنجد فى الماضي حفل الزواج ..ومن إنفجار بسبب دخول قوات صدام لإنفجار
عجلة السيارة، ومثلها تدريبات إيمان للبنات على أغنية "وطني الأكبر" أو
غناءها مع منعم أغنيتهما الأثيرة "أنا لك على طول" لعبد الحليم ..ومن الدروس
الخصوصية لشقيق منعم لمنطق حياة البطلين: هل صفر+صفر تكون النتيجة صفر أم صفرين –كتلاعب
لفظي بلاغي حول محصلة حياتهم-.
أما مشهد النهاية فالغريب أنه بدا فقيرا
بصريا من المخرج حيث لا نرى سوى سائق العربة بجوار عجلة السيارة النقل،وحواره مع
إيمان ومنعم ثم حوارهما بجوار البحر وقد قررا العودة لحبهما بدلا من الجري وراء
المادة،فالمخرج ركز على الحوار دون الصورة ولا التفاصيل التي "لعب"عليها
طوال الفيلم..أزمة المشهد – في رأيي- جاءت من السيناريو فالمؤلف تخلى فيه عن أبرز
ما لديه من أدوات أي مهارته فى تقديم حكايته من خلال الحياة اليومية والحوار
الواقعي ذو الدلالات، وعند مشهد النهاية –المفترض أنه الأهم – قدم حوار مسرحيا خطابيا مباشرا عن العروبة
والأحلام..والأغرب أن البدايات المبشرة ثم فجأة التحول للخطب والنطق بلسان المؤلف
لا الشخصيات،صار سمة فى أعمال المؤلف فيما بعد فى مسلسلاته التليفزيونية!
ولكن يبقى فى العودة والعصفور بما فعله صناعه
قيمته،ببساطته،وتفاصيله وأداء بطليه،خاصة فى حياتهما فى شقتهما بالكويت حيث المحبة
والمودة والشهوة – التي قدمت برومانسية تناسب أسلوب الفيلم- وأخيرا ودائما: كل تلك
المشاعر تختلط بالتعب "والشقا"!
***
نُشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 34 -أكتوبر 2014