طق طق طق
كنت غارقا فى نوم لذيذ
وحلم ألذ مستعيدا اللعبة
التى لعبتها مع البنت جارتنا
طق طق طق
تمنيت لو توقف أبي عن الخبط والرقع
ظننت أنه عاودته نوبات تصليح الأثاث
لكن لا الأثاث يبقى على حاله
ولا أبي توقف عن عادته الليلية تلك
قلت لنفسي ستعنفه أمي
الناس نيام فارحم نفسك وارحمنا
ثم تذكرت أن أمي لن تعنفه
لأنها قد غابت منذ شهور عن البيت
وكلما سألت عنها مسحت الجارات دموعهن
أو مصمصن الشفايف فخمنت ما جرى لها
طق طق طق
فتحت نصف عيني حتى لا يطير النوم
فوجدت أبي يعافر وهو يحطم الصندوق الكبير
اخرج كل ما يملكه من المال
وكل ما نملكه من الهلاهيل
ووجدته يأمرني بالرحيل
حين تلكعت واتدلعت
جذبني من ذراعي فآلمني
ثم تذكر عمري فمسح على شعري وقال ثانية
إنه الرحيل
فى قلب الليل والبرد والمطر خرجنا
ولما تكعبلت فى الطين المتراكم فى شوارع المدينة
حملني أبي على كتفيه
فى طريقنا فنجلت عيوني على آخرها
فلبدت فى رأسي للأبد
صورة دارنا
وحارتنا
وبيوت جيراننا
ودار القضاء
والسوق
والحانة
وقصر عظمة السلطان
وحين بدأنا صعود الجبل
القيت نظرة من اعلى على البحر البعيد البعيد
كأنه في مدينة أخرى
فوجدت أسرابا من الفرنجة
ينزلون كالنمل من السفن نحو المدينة
وآخر ما لمحت نيران الحرائق
ودخانها يصعد للسماء السابعة
وتعجبت كيف لم يطفئ مطر الله
نيرانا أشعلها الفرنجة؟
ولما سألت أبي لم يرد ولكنه
نظر نظرته الأولى والأخيرة نحو المدينة
ومسح دمعة يتيمة لاحت بعينه
وقال: أبدا ما تركناك
فأنتِ بالشرايين لابدة
.وبالقلب كامنة
توغلنا أكثر فى الصحراء
واختفت البيوت
وحل الرمل
رمل فوق رمل فوق رمل
وأبي يسير ولا يكل
ولما كررت السؤال
:اسكتني بقوله
العمر أمامنا وسأحكي لك
حكاية المدينة من طق طق
.لسلامو عليكم
.
- انتهي الجزء الأول من حكايات المدينة-
إلى لقاء مع حكايات التغريبة فى بلاد الله..
أشرف نصر
No comments:
Post a Comment