"عين المؤمن تشوف قبة السلطان
وهي بينها وبينها بلاد وبلاد "
تقديم : لماذا:
يحتفي اليوم المجلس الأعلى للثقافة بالروائي والقاص : عبد الحكيم قاسم ..
سعادتي بهذا الحدث دفعتني لاستعادة ورقة بحث كتبتها منذ سنوات – أثناء الدراسة– كتحية واجبة لكاتب بديع..
وتحية واجبة للدكتور رمضان بسطاويسي – قدمت هذه الورقة كتطبيق عملي ل"المفارقة" في مادة تحليل نصوص أدبية بمعهد السينما
(ما تعلمته من الرجل/الأب في الدراسة /الحياة يحتاج لمساحة أخرى )
كل تقصير هو من عندي..
وأي فائدة في هذه الورقة أتمني أن تكون دافعا لقراءة أعماله
..كتب عبد الحكيم قاسم موجودة بمكتبات الشروق ..
كما يمكن الاستمتاع بالطبعات القديمة في سور الأزبكية..
..أخيرا حلم شخصي :
بعد معاناة تمكنت من العثور علي هذه الورقة – لم أقم بإضافة أو حذف حرف رغم ما بدا لي الآن من حاجة لكتابة جديدة بعد مرور هذه السنوات لكن ربما لتبقي الورقة ببكارتها وحماس لحظة الكتابة –
يبقي الحلم أن أستطيع كتابة الأكوام /أوراقي القديمة علي الكومبيوتر بعد أن انتهكت عدة مرات في جحيم الانتقال من منزل لمنزل ..أتمني!
المفارقة فى رواية أيام الإنسان السبعة
لعبد الحكيم قاسم
عتبة النص:
"حلم حياتي
كل أملي
مراكبي مشتاقة للمرافئ البعيدة"
هذه الكلمات افتتح بها عبد الحكيم قاسم عالم "أيام الإنسان السبعة" أظن أنها عتبة نصية ليس فقط لعالم الرواية بل تعد عتبة نصية لعالم الروائي نفسه
أ- كلمة: حياتي:
نلاحظ أن السيرة الذاتية للكاتب هي محور أو موضوع نصوصه وإذا كانت قد تقنعت تلك السيرة في الرواية موضوع البحث مثل تسمية البطل عبد العزيز بدلا من عبد الحكيم وتغيير أسماء الشخصيات وغيرها من الحيل الفنية فقد نزعت بعض الأقنعة في رواية مثل "محاولة للخروج" ونزعت معظمها في رواية " قدر الغرف المقبضة"
لكن لا جدال أن تجارب الكاتب الحياتية كانت هي المدار حتى في مجموعات : الأشواق والأسى – ديوان الملحقات
فنجد القصص القصيرة تلتقط لحظات أو مشاهد جزئية تدخل ضمن الصورة الأكبر التي ظهرت في الروايات وأبزر ذلك: من مجموعة ديوان الملحقات قصة : واحد من أهل الله
وهي تنتني بلا شك لعالم " أيام الإنسان .." كما تنمتي قصص: قريتي-عشق-ليلة شتوية من "الأشواق والأسى" وإن كانت القصة الأولي "واحد من أهل الله" أبرز مثال لأن نفس الشخصية تظهر في "أيام الإنسان السبعة " بنفس الرسم والملامح واختلفت فقط تفاصيل الحدث
وبعيدا عن الاستطراد في التدليل على فكرة سيطرة السيرة الذاتية على أغلب أعمال الكاتب نتابع
ب- مراكبي تهفو للمرافئ البعيدة:
هذه اللغة الشاعرية التي يعبر بها الناثر عن أزمته تدخل بنا مباشرة للمفارقة الكبرى في نص"أيام الإنسان السبعة"
ما أسميته المفارقة الكبرى أقصد به :
تلك المسافة بين الفرد بأحلامه وتطلعاته
وبين العالم بممكناته ومستحيلاته
تلك المسافة نتجت عن وعي مفرط بالذات
ولذلك تم بناء النص اعتمادا على مفارقة :
النظرة الأولي للأشياء قبل إدراكها
النظرة الأخرى بعد إدراكها وتفسيرها
تلك النظرة الأخرى التي تضفي أحيانا أبعادا أكبر على أفعال بسيطة
ولنبدأ في التطبيق بدلا من الكلام النظرى
1- مفارقة المكان :
نجد أن المفارقة تقع بين مكانين أساسين بل وحيدين هما كل العالم :
القرية في مقابل المدينة ( طنطا)
المكان الأول القرية: تفاصيله التي طرحها الكاتب ربما بإسهاب اتخذ شكل إنثربولوجي
خاصة في فصل الخبيز وإبراز ذلك الطقس بكل تفاصيله وبثراء غير عاجي في عملية العجين واختماره وتجهيز الفرن وأمهر البنات أو النساء في ذلك اليوم ..
هذا المكان "القرية" له شخوصه المحددين بالاسم والملامح والإيقاع الهادئ الرتيب أحيانا مثل فصل : الحضرة
ب- طنطا:
المكان الثاني النقيض أو الضد حيث الصخب والضوضاء والإبهار والزحام وشخوص غير محددين أو معروفين بالاسم دون إبراز ملامحهم الداخلية لأن البطل تعرف على سلوكهم في مواقف محددة عكس شخوص القرية وبالطبع الإيقاع سريع جدا وأبرزها فصل الليلة الكبيرة
والذكاء كان في أن الكاتب جعل النقلة الزمنية في فصل الليلة الكبيرة من عبد العزيز الصبي للشاب
فسحر جو وأحداث الموالد ونظرة الانبهار للعالم الغني بتفاصيل لا يراها البطل إلا مرة كل عام أفضل توقيت لتلك النقلة
2- مفارقة الزمن:
الزمن الأول: زمن الصبا
واليقين والاستمتاع بالأشياء حتى وإن استعصى بعضها على الفهم وزمن المغامرات الصغيرة والحب البريء
مثل تجربة صباح ومحاولة ممارسة الجنس الفاشلة في فصل الخبيز وحب البطل عبد العزيز لسميرة
الزمن الثاني : زمن الشباب
ودخول جمرة المعرفة والشك فيما كانت بديهيات مثل: قدرة الأولياء وزيارتهم
واكتشاف صغر وضآلة العالم القديم "القرية" بمفرداته وأيضا برجاله حيث يكتشف حجك سخرية أهل طنطا من رموز قريته وأولهم الأب
هذا الاكتشاف أشبه بالصدمة
(زوارك يا سيد كل نطع وأخوه)
هذه رؤية شباب طنطا لزوار السلطان ويعلق عبد العزيز(هو يحب المدينة فلماذا تكره آله)
ووضع الزمن الأول فى مواجهة الزمن الثاني
هو لب المفارقة القائمة عليها الرواية
3- مفارقة الشخصية:
الرواية تتعرض بشكل أساسي على مفارقة داخلية تقوم داخل نفس عبد العزيز حيث يدور صراع إيجابي حيث يدور السؤال والتفكير ومحاولة الفعل لتغيير الواقع ..
لم يحدث التغيير بعنف فالشخصية بطبيعتها ليست متمردة تأخذ تصرفا ثوريا خارجيا لكن طبيعة الشخصية أن تمردها وثورتها تعتمل داخلها دائما وهو ما يجعل المسألة أعقد والأزمة أشد..
فالمواجهة الوحيدة مع الأهل أحدثت لهم صدمة عندما اكتشفوا أنه تغير ورغم اعتذاره أو بالتحديد صمته وعدم تكرار المحاولة لكن ذلك لم يمنع الفجوة والجفاء بين عبد العزيز وأهله
4- صانع المفارقة:
(طول عمر عبد العزيز وهو يحب .....)
هذا السطر الأول من الرواية يطرح أن الكاتب اختار ضمير الغائب حيث يحكي عن الشخصية الرئيسية ..
ونجد هيمنة للراوي السارد
والموقع الأحادي للحكم على أحداث وشخصيات الرواية ..
والعلاقة بين الكاتب والشخصية علاقة "تضامن" ونشرح ذلك
من اللحظة الأولي يتبنى الكاتب رؤية الشخصية الرئيسية
وإلى نهاية الرواية لا نجد زاوية أخرى لشخصية أخرى لا للتأييد أو للنفي..
والحكم على كل شيء حتى على الذات وبالتحديد على الذات يتم دائما من خلال عبد العزيز...
لكن لماذا لم يتم الكتابة بضمير المتكلم؟
أظن أن فكرة الانتقال من السيرة الذاتية للرواية هي السبب حيث جاء ذكاء عبد الحكيم قاسم فى الاستفادة من امكانات الرواية كجنس أدبي..
حيث ينزع ذاته ويطرحها كموضوع للبحث ..
ولضمان الموضوعية " دراميا" كتبها كمن يحكي عن آخر
المهم:
أن صانع المفارقة اتسم بالقدرة على التقاط التفاصيل وأبرزها-فصل الخبيز-
واتسم بالموضوعية والتجرد
وخاصة بعد زيادة الوعي
ولنلاحظ نبرة المقارنة بين طنطا والقرية
وبين بنات طنطا وسميرة
واتسم أيضا بالتعاطف مع الضحية عبد العزيز
هنا هو ضحية في هذا العالم
حيث ضاع من عبد العزيز يقين الصبا
وأصبح كل حلمه أن تصل مراكبه للمرافئ البعيدة
أشرف نصر
http://ashrafnasr.blogspot.com/