Nov 2, 2013

فيلم حنا آرنت



فيلم حنا آرنت
فكروا يا بشر
يقتنص الفيلم الذورة فى حياة الشخصية التي يتعرض لها ،فهو ليس فيلما من أفلام السيرة الذاتية سيتعرض لحياة الشخصية منذ الميلاد حتى الوفاة ،بل هو يركز على موقف الشخصية من واحدة من أهم أزماتها والتي يمكن من خلالها الإمساك بلب الشخصية وموقفها من العالم ،
الفيلم بدأ بمشهد لاختطاف الموساد الإسرائيلي ل"ادولف ايخمان" احد ضباط النظام النازي وذلك من مخبأة فى الأرجنتين حيث فر وعاش هناك متخفيا، يتم الاختطاف والنقل إلى إسرائيل لمحاكمته هناك ،
هنا تقرر الفيلسوفة الألمانية السفر لحضور المحاكمة ، علينا ملاحظة الوضع المركب للقضية ، ايخمان ألماني تم اختطافه ولم تطالب ألمانيا بطلب استرداده أو محاكمته على أرضها ،وهي ملاحظة ذكرتها بذكاء حنا ارنت فى جلستها وهي تشاهد الخبر
أيضا حنا تطلب السفر وتنوى الكتابة عن القصية لمجلة نيويوركر الأمريكية رغم قلق محبيها (زوجها وأصدقائها) من تداعيات استعادة المأساة مرة أخرى
فحنا يهودية فرت من معسكرات النازي بمعجزة ولم تلق حتفها واستعادة ذلك عبر المحاكمة ربما يكون مدمرا
الأصعب على الإطلاق هو استعادة تجربتها مع أستاذها الفيلسوف هايدجر الذي عشقته وعاشت معه ثم صدمها بتأييده للنظام النازي فى برقية كعميد للكلية دون أن يبرر موقفه فيما بعد سوى بأنه لا يفهم فى السياسة
لا نرغب فى الاسترسال فى حكي أحداث الفيلم لكن المهم هو ذروة الفيلم حيث تخالف حنا جميع من حولها عند العودة والكتابة عن المحاكمة
تصدم حنا الجميع حين تعلن أن النازي ايخمان ليس مجسدا للشر المحض بل هو شخص مثير للسخرية (انه مجرد شخص يعاني الأنفلونزا فى بداية المحاكمة) هادئ لا يشغله سوى أوراق القضية وشرح موقفه الوظيفي
هنا تحطم حنا أسطورة أن ايخمان قاتل يتلذذ بقتل اليهود وتعذيبهم فهو كما تحلله مجرد موظف روتيني لأقصى درجة لا يشغله سوى أداء عمله
الانشغال بالحقيقة يجعل حنا تقوم بتحليلها بعيدا عن تمنياتها الشخصية فهي لا يعنيها إعدام ايخمان ولم تحزن ولا فرحت حين حدث ذلك
إنما هي تحلل الموقف بشكل عقلاني ومنطقي وفلسفي يليق بمؤلفة الكتاب الهام "جذور النظام الشمولي"
هذا النظام الشمولي هي ما يشغلها فهو ما يحول مجرد شخص تافه مثل ايخمان ليتحول لأداة قتل وتعذيب لبشر مثله
بل أنها تحلل كيف أن ايخمان ليس معاديا للسامية بل للبشرية بمعني أنه اليهود بحكم أنهم بشر والفاعل كان سيفعل نفس الأمر مع غيرهم لو أمره هتلر بذلك واقتضت الوظيفة لكرر جرائمه مع البشر جميعا
أما ما فتح أبواب الجحيم ضدها واتهامها بأنها خانت قومها هو إشارتها لتعاون قادة اليهود مع هتلر فى جرائمه فهي تطرح سؤالا هاما هل لو لم يتعاون قادة اليهود هل كان عدد الضحايا سيقل
حنا آرنت يشغلها الحقيقة ولا شيء غيرها حتى لو قاطعها أعز الأصدقاء (إسرائيلي) مما يؤلمها جدا فهي ترى أنها لا تحب شعبا لا اليهودي ولا الألماني ولا الأمريكي ولا أي شعب ،هي تحب الأصدقاء فقط ،هي تحبهم كبشر اختارتهم واختاروها فى الحياة
لذا يظل هاجس وشبح هايدجر وموقفه جاثما على صدرها للأبد
الفيلم الذي أخرجته وشاركت فى كتابته
Margarethe von Trotta
يخلص لموضوعه فى كل شيء الأماكن محدودة والفلاش باك لا يعود إلا إلى لهايدجر ومواقفه والأهم لا يعود لمرحلة هروب حنا أو حياتها فى معسكرات النازي
فهو يخاطب العقل لا يرغب الفيلم فى التأثير العاطفي على مشاهده بل يرغب فى تحريضه على إعمال العقل ،،حتى علاقة حنا بزوجها وهي قصة حب لكنها هادئة فى تفاصيل بسيطة لا تبتز مشاعر المشاهد ولا تشتته عن قضية الفيلم
وحتى فى لقاء عاطفي بين هايدجر وحنا فقط نرى حنا فى انتظار أستاذها/بطلها وحين يحضر فقط يجثو على ركبته ويدفن رأسه محتضنا معدتها
الفيلم يثير الأسئلة ويخاطب مشاهد مستعد للتفكير لا الاستسلام والتلقي بسلبية يختتم بمحاضرة حنا فى الجامعة مع طلابها فقد رفضت الدفاع عن نفسها أمام مهرجي الإعلام بل ما يشغلها حض طلابها على التفكير والبحث عن الحقيقة تماما كما يحث الفيلم مشاهديه على البحث والسؤال والمواجهة ما كانت التجارب الشخصية ومهما تصادم موقف الفرد مع موقف الجماعة/القبيلة/المجتمع/الصورة الشائعة/المؤسسات!
أشرف نصر
1-11-2013

No comments: