فيلم الجمال العظيم
قصيدة فى وداع ما نحب
أشرف نصر
La Grande Bellezzaالعنوان الأصلي:
إخراج: باولو سورنتينو
إنتاج: إيطالي - فرنسي 2013
منذ أول كادرات الفيلم والمخرج (الذي كتب قصة
الفيلم) يضغط على أزرار حواسنا وينبنها أننا فى رحلة ، مفهوم الرحلة فى الفيلم
يبدأ كرحلة مكانية ،نحن فى روما حيث تستعرض الكاميرا فى لقطات بانورامية لمعالمها
الشهيرة ونرى وفدا سياحيا من اليابان ويطل أحد السياح على منظر مبهر شديد الجمال
ولكنه يقع ميتا ، وببساطة ينتقل المخرج للقطات لحفلات نعرف أن نجمها بطل الفيلم
يبدو سقوط السائح الياباني كأنه لم يحتمل كل
هذا الجمال وسقوطه يثير ابتسامة مختلطة بالمرارة ولكن موته يظل عابرا عاديا كما
قدمه الفيلم فالمخرج يقدم المرشدة السياحية تهز الميت ثم يقطع المشهد منتقلا
لحفلات البطل لننطلق فى رحلة فى ذات البطل
"جيب"
كاتب وصل لسن الخامسة والستين ولديه الثراء والعلاقات الاجتماعية بكل من يمكن أن
نطلق عليهم "كريمة المجتمع" وقاعه أيضا من راقصات التعري،شبكة علاقات
تكونت عبر العمر الطويل ،، ولأنه كتب رواية تعتبر من أهم من الروايات ،ولكنها
رواية يتيمة كأنها "بيضة الديك" التعبير الشهير عن حالة العجز عن إنتاج
غيرها
ينسجم السيناريو والإخراج وتمثيل بارع لشخصية
البطل فى تقديم حالة من التوازن المدهش حيث الأشياء المضحكة تمر ببساطة ابتسامة
عابرة والمحزنة تمر ببكاء يبدو باردا دون ميلودراما
يصحبنا الكاتب فى حياته الغارقة فى حفلات وجنس
وسكر ولكن كلها منزوعة الروح دون فرح ،دائما ما هناك ما يفتقده
كأنه فقد روحه وروما فقدت روحها بل الحياة
نفسها فقدت معناها
ليس علينا الحزن ولا الانهيار بل إن
"جيب" يمر على الحياة بنفس الوجه الهادئ والبساطة
وكأنه توصل لسر المأساة/ الملهاة التي نعيشها
كما تعاملنا الحياة بلا قلب فهو أيضا يعاملها
بنفس البرود ، لا يغضب ولا يثور فلا شيء يستحق !
البطل الذي يقيم حفلاته فى شرفة تطل على أحد
معالم روما الرائعة يقضى وقته فى حفلاته مع أصدقائه ولا يدرك مفارقة أن من يسكن
بجانبه أحد أهم المطلوبين فى العالم
لا تنتهي مفارقات الفيلم والتي دائما تثير
ابتسامة صغيرة لا ضحكات عالية ودموع تلمع فى العين دون ميلودراما بنفس حالة التوازن
النفسي الغريب الذي يعيش به البطل
ففي أحد المشاهد تجلس كاتبة تتباهي بعائلتها
وبأنها أصدرت 11 رواية وأنها أم وزوجة ناجحة
يقوم البطل بتشريحها بنفس ابتسامته الهادئة ،
الروايات صدرت عن دار نشر الحزب الذي تنتمي له ، والدراسات النقدية عن تلك الروايات
كلها فى جريدة الحزب، وزوجها يخونها والجميع يعلم ذلك ، وكيف تكون أما ناجحة وهي
خلفها عدد كبير من الخدم ولا تكاد ترى أطفالها لانشغالها الدائم
البطل يقوم بهذا التشريح الكفيل بتدمير أي
إنسان نفسيا وهو يبتسم ويقول لها أنها محقة أن روايته ربما ليست رائعة كما يمتدحها
الجميع وأنه عاجز عن كتابة غيرها
فهي مثله ومثل الجميع فى نفس حصار عدم
الجدوى، وتفاهة ما يسمى "النجاح" بمفاهيم الأسرة والمال والفن وكل ما
تتعالي به الكاتبة على أصدقائها
حتى الدين يقدم شخصيات رجال الدين بسخرية لا
عبر السخرية منهم بالكلمات ولكن من كونهم مساكين كبشر مساكين – يستحقون الرثاء لا
التفخيم- يتحدث أحدهم عن الفقراء طول الوقت وهو يركب سيارة فارهة وتأتي راهبة
يعاملها الجميع كقديسة بينما لا تكاد تقدر على الوقوف ولا الجلوس وكأنها كتلة عظام
ستنهار فجأة ، ليس فى الفيلم سخرية من الدين نفسه ففى أحد المشاهد المبهرة تقوم
الراهبة فيما يشبه مفهوم "الكرامات" بنفخة صغيرة من فمها فتطير الطيور
المهاجرة التي كانت قد حطت فى الصباح على شرفة الكاتب ،
يصل الكاتب لمفاهيم كثيرة عن ذاته وعن
عالمه/عالمنا ، أن الحياة مجرد خدعة كما يخبره ساحر صديق ، وفى نهاية رحلته التي
عرف خلالها أن الأمر مجرد خدعة عابرة لا تستحق التكالب ولا تستحق الحزن
يعود المخرج لنفس اللقطات كأنه يودع روما
الجنس والفرح والصخب (وكل ما يمكن أن نطلق عليه عالم روما فيلليني) للقطات لمعالم
سياحية يأتي الناس للالتقاط الصور بها ! بلقطات حيادية كأنه يودع فيلمه وعالمه
بابتسامة أسى لا أكثر !
***
نُشر المقال بمجلة أبيض وأسود
العدد 25(يناير 2014)
No comments:
Post a Comment