فيلم حب إلى الأبد..
حب وتضيحة ومواعظ !
أشرف نصر
شاب يقوم بدوره الفنان أحمد رمزي يضرب رجلا ضربة قوية، يقع الرجل فتصرخ شابة تقوم بدورها
الفنانة نادية لطفي، هذا هو مشهد ما قبل التترات ومع نزول تترات فيلم "حب إلى الأبد" تكون التخمينات قد سارت فى طريق الفيلم البوليسي وتكنيك التشويق،خاصة والتترات تنزل والبطل "أحمد رمزي" يهرول فى شوارع القاهرة ويتوقف لحظات أمام دار القضاء العالي،لكن التخمينات لن تكون صحيحة مع النوع الفيلمي فالفيلم لا بوليسي ولا يسعى لتشويق المتلقي،الفيلم دراما اجتماعية لها صيغة ميلودراما الأربعينات العاطفية الشهيرة فى السينما المصرية حول الثري الشاب النقي وحبه لفتاة دفعتها الظروف للعمل فى الكباريهات!مع مواجهة ضرورية مع الباشا والذي استبدل هنا بالأخ الأكبر المحامي الشهير،وطبعا فى النهاية موعظة أخلاقية !كل ما ينقصه عن ميلودراما الأربعينات تلك هو الأغاني التي يؤديها مطرب شهير أو مطربة محبوبة! فالفيلم الذي كتب له السيناريو:وجيه نجيب،والحوار: محمد أبو يوسف،وأخرجه يوسف شاهين ! سنجد الشاب "أشرف – أحمد رمزي" القاتل مثقل بالاحساس بالذنب، حتى يصل لشقيقه "محمود-محمود المليجي" الشقيق الأكبر المحامي الشهير والمرشح للبرلمان، من الطبيعي أن يشعر محمود بالعار والخوف على مكانته مما فعله الطائش "أشرف" من جريمة ستدمر مستقبله، ويسير الفيلم بين قصة القتل وأسبابها ونتائجها وبين محاولات "محمود" لحماية نفسه بل وتدمير من يقف فى طريق مستقبله السياسي ولو كان على حساب سعادة وحياة شقيقه. وحسب المفاهيم التقليدية سر الحكاية عند المرأة التي ظهرت بجانب أشرف عند الجريمة، فتش عن المرأة كما تقول المقولة الفرنسية، لقد تخلص أشرف من زوج السيدة لأنه يحبها، الأمر هنا أمام مثلث الزوج والزوجة والعشيق، عبر تنويعة أن الزوج هنا مجرم هو من دفع الشابة للانحلال الأخلاقي و"رد سجون" بينما هي نقية لم يدفعها سوى الظروف للكباريهات بعد أن كانت تعمل فى شركة محترمة ! فيلم "حب إلى الأبد" فيلم أبيض وأسود ليس لأنه كذلك فعليا لظروف التكنولوجيا، حيث لم تكن السينما قد وصلت لإختراع الألوان، فالفيلم إنتاج 1959، لكن المقصود أنه أبيض وأسود فى كل شيء، شديد الوضوح فى ملائكية أشرف وشيطانية محمود، حتى الشخصية التي تتعرض لانتقالات عنيفة وهي شخصية آمال ،لم يتوقف عندها الفيلم كثيرا أو يحاول تحليلها خاصة ونحن نراها أكثر الشخصيات التي من المفترض أنها تعرضت لتغيرات من زوجة لحبيبة ومن موظفة لفتاة كباريهات ومن حبيبة للوصول لاعترافها أمام البوليس لتخليص محبوبها ثم انتحارها..لكن الفيلم يركز أكثر على الشقيقين أشرف ومحمود وهي مجرد مكمل للحكاية مثل شخصية نادية جارتهما فى الريف (يريد محمود الزواج منها وهي تحب أشرف) ..حتى عند معرفة الجارة بحب أشرف لآمال لا يظهر أي رد فعل للشخصية ..وإنما المهم والرئيسي لدى صناع الفيلم أن أشرف شاب طيب مخلص مستعد للتضحية فى سبيل من يحب، بينما محمود أناني كذاب يحاول التلاعب بالجميع من أجل صورته ومركزه فى المجتمع. ومن المشاهد البصرية الجيدة مشهد ركوب الخيل حيث يهرول محمود بحصانه ويحاول أشرف اللحاق به لكن لا يقدر ويسقط ويتركه محمود وهو يلقى عليه نظرة ساخرة، ففى المشهد وضع تصور حركي وبصري يوضح موازين القوى فى الصراع القائم عليه الفيلم ..لكن المحاولات عادت لطرق تقليدية مرة أخرى مثل استخدام مؤاثرات البرق والرعد عند فتاة الكباريهات بينما فى الريف ستجد الجو صحوا وجميلا يصلح لركوب الخيل دون مطر أو شتاء قارس كما يظهر فى مشاهد نادية..لا أقصد الطقس تحديدا بل أسلوب الفيلم ففكرة الرعد والبرق والفتاة عند السقوط الأخلاقي صور معتادة ومكررة . ربما سنجد هنا أحمد رمزي فى المرات القليلة فى تاريخه يتخلى عن دور الولد الشقى الدونجوان ليمثل، خاصة والشخصية لا تسعى لإظهار الحب قدر ما تسعى لاظهار سذاجته فى البداية والتضيحة بكل شيء فى سبيل من يحب ثم تكشف الحقائق والمواجهة مع شقيقه،وفى مقابل ذلك قدم المليجي دور الشرير المعتاد منه المتلاعب بالجميع والذي يظهر غير ما يبطن، وسنجد فى مشهد "مسرحي-نكرر مناسب للتيار السائد وقتها- " مواجهتهما أمام الناس وهو يفضحه فى خطابية مباشرة وكلام عن الشرف والحقيقة التي يجب أن تظهر للناس ، بل نسمع"مقولة" " الفيلم الختامية "بمباشرة" تليق بالفيلم وطبيعته-: إنما الأعمال بالنيات! ربما وحده تاريخ انتاج الفيلم يفسر لنا لماذا نرى اسم يوسف شاهين على الفيلم –الذي لا يعيبه مجارته للتيار السائد- لكن يثير الاندهاش كونه من إخراج مخرج عُرف منذ أول أفلامه بالسعى وراء التجريب والتجديد والتمرد على الصيغ المألوفة فى السينما بكل عناصرها وأولها السيناريو وليس آخرها الإخراج، لقد جاء فيلم "حب إلى الأبد" بعد "باب الحديد" مباشرة، وحين نسمع اليوم ونحن فى ظروف مختلفة تماما عما حدث من هجوم وإحباط للمخرج بعد تجربة بأهمية باب الحديد، ربما نلتمس الأعذار ونعرف أن بعض المحطات ولو كانت عادية وغير ملهمة لكنها لابد من المرور بها للوصول للمحطات الأهم فى الرحلة !
***
نشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 37 يناير 2015
No comments:
Post a Comment