نظرة على السينما
الإيرانية:
كنت فى لقاء منذ شهور
فى بيت ثقافة سنورس حول فيلم يوم اصبحت امرأة
والفيلم
للسيناريست الابرز فى إيران :محسن مخملباف
ومن
أخراج المخرجة مرضية مشكيني
(والفيلم
يقدم مراحل العمر فى ثلاثة أيام –طفلة يمنعونها من اللعب من الطفل زميلها لأنها
بلغت وشابة تشارك فى سباق دراجات على غير رغبة زوجها وأهلها ورجل الدين – وسيدة عجوز
تعود من السفر وتشتري كل ما حرمت منه طوال حياتها من سلع استهلاكية !)
والفيلم كما يظهر من
خلال قصته : يبدو بسيطا لكن يطرح قضايا نسوية وانسانية مهمة وضاغطة ومن خلال لغة
سينمائية راقية بصريا
واستفدت من اللقاء
جدا من خلال تعليقات من شرفونا بالحضور،
وهذه –التدوينة –هي مضمون
كلمتي خلال اللقاء .
إيران بلد شديد
الثراء حضاريا حتى قبل ظهور الإسلام، من خلال الثقافة الفارسية ثم تلاها اسهامات
جادة وعميقة فى قلب الحضارة الإسلامية فى وقت صعودها،
لكن إيران فى مأزق
تاريخيا وجغرافيا فهو بلد مسلم لكن يتعبد بالمذهب الشيعي وسط مسلمين يتعبدون بالمذهب
السني، لغته فارسية بينما الجيران يتحدثون لغات مختلفة .
تزايد تركيب وتعقيد
وضعه بعد الثورة الإسلامية 1979 وقيام نظام قمعي يحصي على الناس أنفاسهم ومع حرب 8
سنوات مع العراق ، وبإضافة تنوع العرقيات فى إيران من فرس لعرب لأكراد ،
لذا يمكن تخيل محنة المبدع الايراني من القيود الدينية
والسياسية فى بلد يحرم حتى المصافحة بين الرجال والنساء على الشاشة على سبيل
المثال وكمية محظورات رقابية دينية وسياسية وطبعا جنسية الخ ، ربما القيود لا يعرفها أي مبدع للسينما
فى بلاد العالم ،ربما هي الأشد قسوة
(وهي محنة شبيهة للفنان فى البلاد العربية بعد ظهور الإسلام وتحريم التجسيد
فخرج من قلب المحنة فن بديع هو فن الارابيسك، والنقش على السجاد وغيره من فنون
نتجت للمفارقة مع ثقافات غير عربية كالفارسية)
لكن منذ عقدين من
الزمن أو أكثر بسنوات قليلة انطلق تيارا سينمائيا يقدم لغة خاصة به تعتمد على
تقديم قصص انسانية بسيطة فى ظاهرها عميقة المضمون وبلغة بصرية مدهشة ، ونجح المبدع
الإيراني فى تحويل كل القيود الرقابية /السياسية
لنقطة قوة عبر التركيز على التجريد والانسانيات
كأن فنان السينما
الإيراني يقوم بفلترة الحياة وتصفيتها بحس فلسفي للتركيز على الحياة فى خلاصتها
عبر حكايات لا تعتمد
لا على (الإنتاج الضخم أو نظام النجوم أو التعقيد فى حبكة الأفلام بل تعتمد على
مواقف صغيرة تبرز مفارقات الحياة المؤلمة المبهجة معا)
وحصد هذا التيار
بجوار المكانة فى تاريخ السينما العالمية عشرات الجوائز من كل المهرجانات الكبرى
وليس غريبا أن يصبح هوسا لدى شباب السينمائيين فى العالم مثلما حدث من قبل عند
ظهور الواقعية الجديدة فى إيطاليا أو سينما المؤلف فى فرنسا الخ من تيارات سينمائية
تظهر لتجدد دماء الفن السابع كل عقد أو عقدين من الزمن.
فى قلب تيار السينما
الإيرانية والإطار العام:القصص الإنسانية البسيطة
تنوعت بصمات المخرجين
واتخذ كل منهم مساره الخاص
فنجد على سبيل المثال
1-اصغر فرهادي (من
أفلامه :انفصال- عن إيلي- الماضي)
ويعد النموذج الأقرب
للشباب الآن خاصة مع حيوية إيقاع أفلامه وووصوله المستمر لهدفه من أقرب وأبسط السبل ،وواقعيته
بعيدا عن الروحانيات والفلسفة (والتي سأذكر نموذجيهما بعد قليل)وسنجد تركيزه حول عالم
الطبقة الوسطى والعلاقة بين الزوجين – جو مديني حداثي يتعامل مع تعقيدات حياة
الرجل والمرأة فى الألفية الثالثة
2-سميرة مخملباف: (من
أفلامها: التفاحة –السبورات )
قضايا المرأة بشكل
عام –وفى رأيي- أنها فى طور البحث عن صوتها الخاص وبصمتها المختلفة
3-بهمن غوبادي(من
أفلامه :وقت للخيول المخمورة-السلاحف يمكن أن تطير-معزولون فى العراق)
وهو يحدد هدفه بوضوح
فى القضية الكردية فهو من أكراد إيران ، وأبطاله عادة المهمشون والمهربون على
الحدود والأطفال المرضي وأحيانا مشوهون من أثر الحروب
وربما أكثر من يثير
سخط الإيرانيين والعرب نظرا لتعقيد القضية
الكردية والنظر لها بريبة من الطرفين (الإيراني والعربي)
4- مجيد مجيدي(من
أفلامه :لون الجنة- بران)
هو الصوت صاحب الحس الروحاني
ويعتمد بالأساس على لغة الصورة ويقل الحوار فى
أفلامه جدا حتى يصبح شحيحا أحيانا مستغلا المناطق الجميلة فى الطبيعة والأفكار
الدينية المجردة لتوصيل الإحساس للمشاهد
وربما يعد النموذج
الأقرب للتوجهات المحافظة فى النظرة للفن، حتى أنه يعد فيلما عن نبي الإسلام
(محمد)، ورغم الروحانية التي أشرت لها لكن من المتوقع جدا ضجة هائلة حول الفيلم
بسبب الخلافات السنية الشيعية
5-عباس كيروستامي من
أفلامه: االريح ستحملنا-10- طعم الكرز)
ويعد هو الأستاذ
بجداره لكل من سبق ذكرهم (وفى رأيي يعد النموذج الأقرب للنخب السينمائية أكثر من
الجمهور العادي )
عباس كياروستامي هو
صاحب الحس الانساني والرؤية الفلسفية
ويعد من شعراء سواء
فى حوارات أفلام والتي تعتمد على قصائد شعرية أو حركة الكاميرا ونظرته للطبيعة
وهمه الأساسي الانسان وعلاقته بالحياة ،صاحب نظرة تدعو للاستمتاع بالحياة ويظهر
تعاطفا مع نماذج مضطهدة مثل المراة العاهرة والمسجونات، والمرأة العاملة المطلقة الخ النماذج الواقعة
تحت ظلم اجتماعي وديني.
رحل كيارستامي منذ
فترة قريبة –بعد اللقاء الذي عرضنا فيه الفيلم-، وأعتبر يوم رحيله من الأيام التي
بكت فيها الكاميرا !
*
أشرف نصر