مراتي
مدير عام..
عزيزي فطين: روح يا شيخ،
الله يسترك
أشرف نصر
فيلم: مراتي مدير عام
قصة: عبد الحميد جودة
السحار
سيناريو وحوار: سعد
الدين وهبة
بطولة: شادية - صلاح
ذو الفقار
إخراج: فطين عبد
الوهاب
كالعلامة المائية
التي تكشف العملة الصحيحة من العملة المزيفة/ الرديئة، كانت أفلام فطين عبد
الوهاب، كوميديا تحترم عقل المشاهد، تدخل قلبه لتخرج الضحكات الرائقة الصافية،قدم المخرج
بعض التجارب الأخرى لكن تظل الكوميديا شغفه وتظل أفلامه الكوميدية شغفنا، نحن
الذين نريد فيلما نضحك معه لا (اسكتشات) تضحك علينا،
وفيلم مراتي مدير عام
، من المجموعة الذهبية التي التقت فيها بوصلته الفنية مع سيناريو يليق به وبفريق
العمل، يمكننا نقد مقولة الفيلم حول "جنة" المجتمع الإشتراكي
"بالصيغة المصرية "التي جاءت فى بعض المشاهد فى نهايته، لكن لا أظننا
نختلف حول فن صناعة الكوميديا كما جاءت بالفيلم،
فى أجواء تبعث على
الملل والكآبة كأجواء موظفي الحكومة، ينسج الفيلم فرضيته البسيطة حول المرأة
والرجل، رئاسة الزوجة للزوج فى العمل وكيف أدت الفرضية لتغيير حياة شخصياته، ربما
نحفظ قصة الفيلم وجمل الحوار، لكن الجميل أن الكوميديا كما قدمت هنا، كوميديا
الموقف، خاصة منذ أول يوم عمل، والبداية بالموظف أبو الخير (توفيق الدقن) الذي
سيجري تحرياته وسيعرف حكاية المدير الجديد، فى عالم الفيلم، وننطلق مع كل شخوص
المكتب والبيت والشارع، لنرى مفاهيم الرجل والمرأة، كما نعرف جميعا الأحداث، لكن
الشاهد أن كل الشخوص موجودة وحاضرة ومرسومة بطابع مميز، من الموظف الذي يرغب فى
اجازة للبحث عن عروسة، لمن يريد ترقية، لمن يرغب فى مكان المدير (الوكيل الاستاذ
عبد القوي الذي يمثل الرجل المحافظ المتدين تدينا تقليديا يتمسك بالشكليات وفى آخر
الفيلم يضرب كل ذلك بجملته الشهيرة: أبو حنيفة قال ماتنقضش)
وحين تشترك الشخوص
المختلفة فى طابعها فى رد فعل واحد تزيد جرعة الضحك ببراعة صناع الفيلم، على سبيل
المثال: حين يعرفون أن زميلهم حسين هو زوج المديرة، وتبدأ محاولاتهم للتسلق أو
استغلال الفرصة، يأتي التصاعد من أبو الخير ثم بقية الزملاء واخيرا يأتي الوكيل
يهدئه ثم يطلب هو الآخر خدمة، فيضرب حسين رأسه فى المكتب وهو يكاد يجن،
حتى قطعة الاكسسوار
لن يفلتها المخرج الجميل فطين عبد الوهاب بل سيوظفها فى موضوعه، فحين تقوم عصمت
المديرة بطلب من زوجها حسين أن يسمع خطبتها ويرفض، تقف عصمت أمام تمثال لقط لتؤدي الخطبة أمامها
فتدير القطة وجهها،
ولا يعادي المخرج
فكرة النجم الكوميدي خفيف الظل أبدا ، فهو من قدم أهم أفلام إسماعيل ياسين، ولكنه
إتجه فى مرحلته الذهبية لفكرة كوميديا الموقف والانماط البشرية فقدم أرض النفاق والزوجة
13 وإشاعة حب وغيرها
والأجمل توظيفه
لممثلين لم يكن يتوقع أحدا منهم اداء الكوميديا وربما أشهر مثال هو يوسف وهبي فى
إشاعة حب
لذلك سنجد هنا نجما
كوميديا كالضيف أحمد يظهر لحظات فقط فى الفيلم، وحتى مواقف عادل إمام تمر موازية
لكوميديا يكون بطلها شفيق نور الدين أو توفيق الدقن، فالموقف هو البطل وليس الممثل
النجم،
الفيلم يقدم بالأساس
نقدا إجتماعيا لتفكير الرجل المصري حول دور المرأة، لكن طبعا هو –نقد على خفيف-
ليس كاشفا لعيوب المجتمع كفيلم أرض النفاق، ولا نسويا خالصا بمعنى التمرد على قيم
المجتمع الذكوري، بل ظهرت قصة عصمت كحل متصالح وسطي ينبع من عقلية كاتبا القصة
والسيناريو عبد الحميد جودة السحار وسعد الدين وهبة ، حول المرأة شريكة الرجل التي
تحيا فى ظله وتحتاج دعمه ومساندته، نعم يمكن هدم كل "مقولات" الفيلم النسائية
والسياسية خاصة فى الجزء الدعائي للنظام –لاحظ أن الفيلم انتاج القطاع العام- وفى
1966 ،عز سطوة النظام وقبل عام من العاصفة، لكن فى فيلم كوميدي كهذا ربما يغفر
المشاهد ذلك ليرى عصمت وحسين فى حياتهما الجميلة والرقيقة ومنغصات الحياة التي
تأتي بعد إنقلاب الأوضاع فى مراكز القوة بينهما،
أما الأجمل –فى رأيي-
لم يكن عصمت وحسين وقصتهما، بل "شعب الله" من الموظفين وتصرفاتهم مع
الزوجين، لتظهر براعة المخرج فى اختيار ممثليه حتى فى الأدوار الثانوية كما سبق
الإشارة مثلا للضيف أحمد،ونرى يوسف شعبان فى مشاهد قليلة كنموذج الرجل"
البصاص"،أو حتى ساعي المكتب أو خادمة البيت أو البواب، ملمح صغير يمنحه
الفيلم للشخصية فنظل نميزها عن الباقين،وتخدم فى دوامة هائلة من الضحك لعجائب بني
البشر، وليس كما يقدم –كثيرا للأسف- من إسفاف فى تسفيه الأخرين (كالعنصرية ضد الأسود
أو القزم أو البدين) أو التلوي بالمؤخرة إلى آخر عجائب ما يتم الزعم أنه
كوميديا،
أما الملمح الاخير
الذي نتوقف عنده هو استخدام الايفية اللفظي أكثر من مرة لا كتكرار –كما يفعل
البعض- بل لزيادة الأثر عبر تلوينه كل مرة بأداء مختلف
الموظف أبو الخير-
الإسم الذي ليس على مسمى على الإطلاق – له "لزمة" فى الكلام:
روح يا شيخ
الله يسترك
يقولها أول مرة وهو
يشيع أبشع الأوصاف عن عصمت قبل حضورها، ويقولها حسين له وهو يقصد
"يفضحك"، ثم يقولها أبو الخير وهو يودع عصمت ولكن بإظهار الأسف هذه
المرة،
وكمرة رابعة أقولها
للمخرج فطين عبد الوهاب، ناظر الإخراج الكوميدي ولكن كدعاء وحفظ لجميل إسعاده
للملايين رغم مرور كل السنوات! والأهم أنه و-كل من احترم عقولنا فى الكوميديا- لم
يجعلنا نكفر بهذا الفن الجميل، ونؤمن فعلا أننا "أحيانا" شعب "دمه
خفيف"، روح يا شيخ الله يسترك.
***
نُشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 48 ديسمبر 2015
No comments:
Post a Comment