Mar 26, 2007

كلمة القاضي / محمود الخضيري

http://www.almasry- alyoum.com/ article.aspx? ArticleID= 52269&r=t

يوم الحداد في مصر بقلم القاضي/ محمود الخضيري ٢٤/٣/٢٠٠٧
لا أعتقد أن هناك مصرياً مخلصاً لمصر، متجرداً من المصالح الشخصية الضيقة لا يشعر بالحزن والاكتئاب هذه الأيام، ولا يوجد في مصر إنسان صغير أو كبير، إلا ويسأل نفسه هذه الأيام: ماذا تريدون منا، أكثر مما أخذتموه؟!، لم يبق لنا شيء عزيز إلا سلبتموه منا حتي الأمل الذي نعيش عليه من أجل غد نتحرر فيه من القيود التي تكبلنا والأمراض التي تحاصرنا والبطالة التي تقتلنا والسجون التي تعج بأبنائنا، حتي هذا الأمل نجحتم في سلبه منا ودفعتمونا إلي اليأس والقنوط.
هل كان يمكن لعاقل أن يتصور أن هذا سيحدث في مصر المحروسة بلد الأمن والأمان والحرية، تعديلات دستورية تتناول أهم ما يمس حياة الناس وحريتهم يمررها مجلسا الشعب والشوري في يوم وليلة غير مستمع إلي نصح الناصحين،
ورأي العلماء الصادقين من كبار رجال القانون كأن مطلب الرئيس تنزيل من التنزيل أو قبس من نور الذكر الحكيم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لا يمكن المساس به أو حتي مجرد تفسيره أو تأويله، قد يسأل البعض ولماذا يطلب الرئيس ذلك؟ ألا يعلم أن في هذه التعديلات ما يمس حرية الناس ونزاهة الانتخابات التي تعاني أصلا من التدخل فيها وتزوير إرادة الناس في نتائجها؟
نعم يعلم ذلك وهو الذي أمر به وطلبه علي مسمع ومرأي منا جميعا، بحجة أن ذلك يخدم الوطن وفي مصلحة الناس، كما يصور له بطانة السوء التي لا هم لها إلا البقاء في منصبها وليذهب الشعب إلي الجحيم، هل تظنون أيها الطامعون في السلطة اللاعبون بالنار أن ما قمتم وتقومون به في المستقبل من إجراءات من أجل تكميم الأفواه وكبت الحريات واغتصاب الأموال والأعراض سيقضي علي الرأي الحر في مصر،
وسيكمم أفواه الأحرار، لا، أبدا، خاب ظنكم ومسعاكم، إن ذلك سيزيدنا إصرارا علي المطالبة بالحرية والديمقراطية الحقيقية، إن ذلك سيزيدنا إصرارا علي الكفاح والتضحية من أجل مستقبل مصر ومستقبل أبنائنا وأحفادنا وسنكافح الظلم حتي نقضي علي الظالمين أو نموت دون ذلك. إن الحرية عندنا أغلي من أنفسنا وأموالنا لأننا دونها لا نساوي شيئا والإنسان غير الحر باطن الأرض أولي به من ظهرها.
لا يوجد رجل في مصر يشعر بكرامته مستعد لأن يري حريته تنتهك وعرضه يخدش وأمواله تسلب، ثم يقف صامتا لا يتحرك ولا يقاوم. ماذا أبقيتم لنا يا بطانة السوء لم تسلبوه منا ؟ ألم تشبعوا بعد ؟ ألم يكفكم ما أخذتم وعز عليكم النزر اليسير الباقي تسلبونه منا بغير رحمة ولا شفقة.
أما أنت يا شعب مصر العزيز الصامد الصابر، فلابد أن يكون لصبرك وصمتك نهاية، تضع فيها حدا للظلم والظالمين، وإني أطالبك بالتحرك من الآن لكي تقول كلمتك الحرة وتسمعها لمن يظن أنه هو صاحب الكلمة الأولي والأخيرة في هذا الوطن، لابد أن يعلو صوتك ويجلجل ويهز عروش الظالمين ممن يتصورون أنهم وحدهم أصحاب الرأي الصواب في كل ما يهم هذا الشعب، لابد أن يعلو صوتك ويجلجل حتي يعلم الظالمون أنهم قلة في هذا الوطن وأن الشرفاء الحريصين علي مصلحة الشعب هم الكثرة الغالبة.
ولتكن بداية رفع الصوت التجمع والصياح بأعلي صوت، ورفع شعار لن نسمح بتزوير إرادتنا بعد اليوم، لا تخش عصا الأمن ولا بطش الحكومة فهم قلة بالنسبة لك، وهل من بأس إذا أصابك بعض الأذي من أجل حريتك وحرية أبنائك وأحفادك.
ولتكن بداية الصياح يوم الاستفتاء علي هذه التعديلات المشؤومة، نعتبره جميعا يوم حداد علي الحرية والديمقراطية ونزاهة الانتخابات ونرجو أن نطلق عليه من اليوم هذا الاسم، يوم الحداد في مصر، فهو حقا يوم حداد ماتت فيه الحرية والديمقراطية ونزاهة الانتخابات علي يد هذه الطغمة الفاسدة المفسدة، اغتالتها وكتمت أنفاسها من أجل أن تبقي في السلطة أكبر وقت ممكن، حتي يتدخل هادم اللذات ومفرق الجماعات فيخلصنا منها، وحتي في هذه الحالة لن نتخلص منها لأنها تعد لمن يخلفها فينا وفي استمرار كبت حريتنا.
اجعلوا هذا اليوم في مصر يوم حداد علي الحرية والديمقراطية يتشح فيه المصريون المخلصون لوطنهم جميعا بالسواد حزنا وألما علي فراق الأحباب الذين يعز علينا فراقهم، لتتشح النساء بالسواد حدادا ويلبس ذو الياقات رابطة عنق سوداء ومن لا يرتدي رابطة عنق يضع أي شارة سوداء، طاقية علي رأسه، أو كوفية أو شارة سوداء، تدل علي حزنه لما يحدث، في مصر، لترفع كل مؤسسة، وحزب حر أبي، علما أسود علي مبناها، وتضع كل عائلة كريمة حرة علما أسود في شرفاتها. في هذا اليوم نريد أن يعلم العالم ويشاهد هذا المنظر الحزين، ويشهد بأن ما يحدث في مصر لا يعبر عن حقيقة الشعب ولا يمثل إرادته.
ودور الإعلام في هذا الشأن كبير ومؤثر إذ إنه بلا شك قادر علي أن ينعش شعور الناس بالخطر القادم عليهم والسجن الذي يتم بناؤه من أجل وضعهم فيه وما ينبغي عليهم فعله من أجل مقاومة ذلك ومنعه.
أطالب الصحف الحرة في مصر بأن تظهر في يوم الاستفتاء وقد اتشحت كلها بالسواد حزنا وألما ومشاركة للشعب شعوره بالخيبة والإحباط والحزن. من كل الكتاب الأحرار في كل الصحف والمجلات إظهار الغضب والحزن ودعوة الناس إلي إظهاره، ويا حبذا لو أن قنوات التلفاز الحر بثت ذلك،
وأظهرت، وتضامن المذيعون ومقدمو البرامج مع الشعب في إظهار هذا الحزن والغضب بوضع شارات سوداء علي ملابسهم أو علي الشاشة حتي يكونوا قدوة للشعب في إظهار الغضب والحزن، لابد أن تظهر مصر كلها أمام العالم في هذا اليوم وقد كساها الحزن ولفها اليأس والقنوط مما يحدث فيها،
وأعتقد أن أحدا ليس في سلطته منعنا من ذلك، ليس بإمكان أحد أن يحرمنا من إظهار الحزن والغضب مما يحدث بأي وسيلة كانت ولو بلطم الخدود وشق الجيوب وزرف الدموع حزنا وألما، حقا إن ذلك أضعف الإيمان ولكنه القليل المتاح حاليا حتي نجد لنا وسيلة أخري نعبر بها عما يجيش في صدورنا ويعتلج في نفوسنا ويخلصنا مما نحن فيه من ألم ويأس وحزن.
هل هذا صعب عليك يا شعب مصر الحر الأبي؟ هل هذا كثير علي الحرية والديمقراطية وسيادة القانون واستقلال القضاء؟ هل هذا كثير علي الوطن الذي نعيش فيه وبدونه لا نساوي شيئاً وإن الأوطان والحريات تفتديها الناس بأرواحه وتفاخر وتعتز بذلك ويعتبرون في نظر الشعب أبطالا وشهداء، أفلا تستحق منا حريتنا أن نضحي من أجلها ببعض وقتنا وأموالنا.

اعلموا إخوتي أن الحرية لم تأت لشعب علي طبق من ذهب، ولا يعرف التاريخ شعبا حصل علي حريته منحة من أحد، الحرية عروس مهرها غال وسلعة ثمنها كبير، ومن أراد العلا سهر الليالي، وصدق الشاعر عندما قال:
وللحرية الحمراء باب
بكل يد مضرجة يدق

No comments: