Her
ألغاز الحب وبساطة الحياة المعقدة !
أشرف نصر
مع ظهور
فيلم جديد للمخرج "سبايك جونز" يبدأ أفق التوقعات بفيلم حداثي مركب
،خاصة أنه المخرج الذي نقل للشاشة فيلمي "أن تكون جون مالكوفيتش"
و"أدبتيشن/الإقتباس أو التكيف" للكاتب تشارلي كوفمان،أما فيلم
"هير"فجونز الكاتب أيضا،ونال عنه أوسكار أحسن سيناريو مكتوب للشاشة 2013،
يتناول الكاتب/المخرج قصته بسلاسة فى
السيناريو وفى إخراجه معتمدا على النقلات الناعمة فى المونتاج والمشاهد الطويلة
والحركة الهادئة للكاميرا،والزوايا الطبيعية لمكان الكاميرا، هنا كمن يمر من تحت الجلد
، كسقوط الماء قطرة قطرة حتى يتفتت الحجر! الزمن فى المستقبل القريب والمكان مدينة
تبدو كتطور لمدينة حداثية مثل نيويورك،
الفيلم يطور تفصيلة واقعية نعاني منها
جميعا،أسر أجهزة الكومبيوتر،هل نظرت مرة فى المترو مثلا لمن حولك وعيونهم وحواسهم
منفصلة عما حولهم وتنصب على الشاشات، يبدأ عالم الفيلم بذلك الواقع ثم يضفره مع
الخيال فى تصور تطور علاقة الإنسان بالكومبيوتر أو تحديدا برنامج "سوفت
وير" يقوم بتنظيم مواعيد الإنسان والايميلات وتذكيره بمواعيده،ولأن فى مقدرة
البطل برمجة الجهاز واختيار الصوت الذي يحدثه يختار صوت امرأة ، وهنا يعود فى
عملية التضفير للواقع،
لقد
وقع البطل فى حب كومبيوتر/برنامج السوفت وير.
إنها قصة حب! نفس التيمة المألوفة فى السينما
والأدب والحياة منذ آلاف السنوات!
الفيلم لا يتناول علاقات الانترنت التي تورطنا
فيها جميعا بدرجة أو أخرى حيث نتواصل مع حبيبة أو صديق ثم ننتبه فى نهاية الأمر
أننا نضحك ونحزن وننفعل فى أمام شاشة ،جهاز آلي، نعم لا يتناول تلك العلاقات وإنما
يطورها إلى مدى أبعد وأعمق فلسفيا.
الفلسفة ليست بالضرورة معقدة وليس معنى تناول
مشكلة فلسفية مثل الحب،الغموض والتنظير فالكاتب يقدم تلك العلاقة التي شغلت
الشعراء والفلاسفة والبشر جميعا من أقرب الطرق،فهل نحتاج فى شريك الرحلة أمورا
أكثر من المودة والتفهم والتواصل الروحي،
علينا ملاحظة أن المرأة/السوفت وير هنا قد تطور
الذكاء والمشاعر لديها كل لحظة من خلال الخبرات أسرع من الإنسان!
لقد بدأ الفيلم بالبطل "ثيودور"
ككائن يعاني الوحدة والبرود ويقدم فى الديكور وصور ناطحات السحاب عالما زجاجيا
باردا ، ليس فيه تواصل أو دفء أو حميمية ، ياله من مستقبل قاتل ، لن نحتاج فيه
للحروب أو العنصرية او العنف الخ كي نقضي على الجنس البشري.
كل ما نحتاجه للفناء نسيان أننا بشر نحتاج
لجلسة صديق ومساعدة جار والتربيت "الطبطبة" على أروحنا ممن نحبهم عندما
يصيب الألم قلوبنا!
ما سحر الصوت؟ الصوت البشري تحديدا ،ذلك الذي
نسمعه كل لحظة ، تخيل أنه امرأة تحبك وتعيش معك كل لحظة ، لقد انتقل الايهام لدي "ثيودر"
ولدينا أن البرنامج هو امرأة "سامانثا" لا تدقق كثيرا فى الإسم ،فقد
اختارته لأنه أعجبها خلالها تنقلها بين آلاف الأسماء خلال جزء ضئيل من الثانية!
نعم الإسم لا يهم،المهم هو دفء الصوت وصدقه ،ودرجات
تغير طبقات الصوت حسب الحالة النفسية من فرح / لحزن/ لشبق الخ وهنا لابد من
الإشارة لبراعة "سكارليت جوهانسون" التي قدمت كل الأداء التمثيلي من
خلال صوتها فظهرت المعادلة التمثيلية بينها وبين الممثل"خواكين فينيكس" بملامحه
الجامدة ونظرته المنطفأة وحركته البطيئة،
حين تنتهي من مشاهدة الفيلم ستجد نفسك وقعت
فى أسر الأسئلة، أبسطها ليس أنك لم تجد تطورات كبرى فى بنية الحكاية وتطور
الأحداث، فلن تحكي عن مصير قصة الحب البسيطة/الغريبة وعن النهاية وما جرى لثيودور
وسامانثا؟ ، الأسئلة هنا نتاج لتجربة سينمائية تضعنا فى لحظات تأمل لما فعله بنا
سبايك جونز فى عملية صنع فيلمه فكما نسج بين الواقع والخيال العلمي وبين الحداثة
والاحتياج للحب منذ بداية البشرية ينسج بين أداء فيزيقي ونفسي عبر الحضور الجسدي للبطل
وبين أداء صوتي فقط لبطلة! وإن شاب السيناريو بعضا من رتابة الإيقاع فى منتصفه لكن
تطور الثلث الأخير فى الحدث يعيد الحيوية للفيلم، ويعيدنا للتأمل مرة أخرى
وفى لحظات التأمل تلك جدا تتذكر حالك وحياتك
وواقعك مستقبلك ، الفيلم سينقلك لفكرة أن السينما – عبر أفلام كفيلم "هي /هير"–
فن أعظم وأهم وأكثر انسانية من مجرد تسلية ،وربما تعتقد مثلي أن
السينما تجربة
أكثر انسانية من عالمنا !
***
نُشر بمجلة أبيض وأسود
العدد28 أبريل 2014
1 comment:
:)
Post a Comment