Apr 9, 2015

4 ذكريات فى بروجرام واحد

 
عيل كالعيال، ركب القطار وذهب للمدينة، القروش قليلة لكن محسوبة بدقة، سيدخل مع الأولاد "السيما"، ويأكل طبقا من كشري سعيد أو ساندوييتشين كبدة وطبق مكرونة من كات كوت كما تقول "يافطة المحل"، وينطقها ككل الناس كتكوت، تلك التفاصيل سمعها من قبل من شقيقه وأصحابه، وربما من كل الكبار، رحلة العيل كانت مميزة كالعيد، ليس لأنها كانت فعلا فى العيد، بل لأنه مرته الأولى، ذهبوا لسيما عبد الحميد، دفعوا قروش التذاكر،،وقيل لهم ان الحفلة  4 افلام وان اول فيلم اسمه العبقري 5،، "استعيلهم" العامل وخدعهم وبدلا من اجلاسهم على الكراسي أجلسهم على الأرض، وكانت أجمل خدعة حدثت في حياة العيل اياه، هو على الأرض أسفل الشاشة الكبيرة التي صارت مهولة فى حجمها، وكانت أول لقطة سينما يراها فى حياته، زاوية الكاميرا فى اللقطة ومكان جلوس العيل وملامح علي الشريف المخيفة جعلته عملاقا، وزادته هيبة فوق هيبته وهو يدخل بالنبوت محطما أحد المخازن، فشهق العيل و"ندهته النداهة".
 2
 فى  ذلك الزمن الذي يبدو الآن كعصر بدائي، قبل الفضائيات والانترنت وقبل كل شيء تقريبا، كان من المستحيل حدوث معجزة عرض فيلم انتاج نفس السنة فى سيما عبد الحميد او سيما الفيوم،والاكثر استحالة أن يكون من أفلام مهرجان القاهرة،لكن الولد الذي اعتاد "التزويغ" من المدرسة وجد المستحيل يتحقق، فى نفس توقيت نزول فيلم " ناجي العلي" ،، عرض بسيما عبد الحميد، ربما بسبب حملة الكراهية الفاشية  التي شنت ضد الفيلم من دولة مبارك، وربما لاسباب تجارية بحته، المهم.فجأة اختفى عالم بروسلي وجاكي شان وجميلات الافلام التركية بالبكيني، وتبخرت ضحكات افلام الازواج والزوجات المصرية المتشابهة ، وجد الولد نفسه أمام فلسطين  التى يسمع عنها فى نشرات الأخبار ودعاء الجمعة ، تجسدت اخيرا أمامه بعد الغموض والأساطير، عرف ناجي الذي قتل برصاص العدو، وربما برصاص من تبول علي حدائقهم المصطنعة فى الحفل ساخرا من نضالهم المزعوم، ويقول بمرارة (الكلب اللي ينزع شجرة من ارضها ، كيف بدو يحرر بلد ) ، كأنه يرى ممثلا مختلفا عن نور الشريف الذي يعرفه فى نوعيات حبيب مهجتي والقطة الشقية واوعى تبوسني لتكهربني التي اعتادها هنا ،،ومحمود الجندي فى اروع دور له ، المصري الذي ادمن الخمر والذي ينتظر الجيوش العربية ، وطبعا لا تأتي،، كان الفيلم ك"صدمة وعي" علمته انه الافلام ليست  للتسلية فقط!
 3
  زمن كانت النجومية لممثلات من ذوات الوزن الثقيل، حجما لا تمثيلا، من سهير رمزي لهياتم لاسمها ايه صدقي! الخ الخ ، حتى بدت ناهد شريف وشمس الباردوي مسكينتين لا تجدان من يطعمهما غذاء النجمات! أدمن الولد قضاء ليالي الشتاء فى سيما الفيوم الاكثر دفئا من عبد الحميد، و طبعا قد تعلم حيل الاختفاء عن الاهل والاصحاب، واختلاق الحكايات الكاذبة كمبرر لغيابه،،وفى سيما الفيوم كان الجلوس بأعلى ليكشف السيما، فما يحدث بين المشاهدين وقليل من المشاهدات، كان اكثر متعة احيانا من فيلم سمج كفيلم قضية سميحة بدران، واهتم المراهق بعدها بنصيحة اصحابه ممن لم يشاهدوه بحضوره بسبب لقطة لهياتم تجعلم يحتملون عذاب نبيلة عبيد ، كل شيء كان طبيعيا ليلتها سوى سؤال غريب من احد الجالسين، عن مكان ليصلي فيه،،وتبريره المتكرر انه اضطر للمبيت فى المحافظة هنا ، ولم يحضر لنفس اسباب المراهق  لرؤية اجساد الممثلات، ولا للتصلص على عبث المتفرج هذا او ذاك بجسد صاحبته،،نال المصلي سخرية لا تنتهي بعدها من الولد كلما حكى الحكاية، وكلما رأى نظرات الاستنكار فى عيون من يحكي لهم بسبب حساسية الدين، لم يهتم،فقد اعتاد التكفير على اقل من ذلك، ولم يعد يمكن ابتزازه بهذا  السلاح، وظل يحضر للسينمات عامدا وليس مضطرا،كذلك الغريب ، حتى بعد سنوات الوعي بالفرق بين الأفلام وتعبئة الشرائط ،  ظل يحن لجو السيما "بعبلها" ! فيشاهد -على الكمبيوتر - افلاما ومشاهد اضعف حتى من قضية بنت بدران، لكنه يحرص أن تكون كوميدية،خاصة وأنه حينها يعاني نقص الأوكسجين فى الحياة!
 4
 صاحبنا الذي أدمن السيما اصيب بالتخمة من كثرة ما "هرس" من افلام امريكية وهندية وتركية ومصرية فصار يحضر بحكم التعود، ومرة جلس مستعدا لممثلة الوزن الثقيل ليلى علوى ومعها ممثل لم يكن مشهورا وقتها، لكنه بدا لصاحبنا المراهق "ابن لذين "فى التقبيل والاحضان وممارسة الجنس،تبين بعدها ان الممثل اسمه محمود حميدة، والفيلم اسمه انذار بالطاعة، كانت بداية لليلة سعيدة للمراهق، وكل شيء يسير فى مساره الطبيعي كسهرة سيما تنتعش بها الهرمونات،
 لكن فجأة بدأ المراهق يميل قلبه مع صوت الراديو فى خلفية الحوارات، وصورة الشارع، وطريقة المخرج بحركة الكاميرا بألفة غريبة ، وصدق وواقعية تشبه الحياة لكنها اجمل،، رغم مرارة احداث الفيلم ،ويعود عقله للتفكير وهو يرى شابين سرقا بسبب الفقر، ودخلا السجن فتغيرا تماما، وصارت اللحية عندهما اطول من احدهما- احمد ادم،-، وفكر صاحبنا فى بلدته الصغيرة التي تئن بين مطرقة الحكومات الفاسدة وسندان تجار الدين،
 لكن المشهد المرعب بالنسبة لصاحبنا، حين علم البطل بفرح حبيبته وخطبتها لغيره، دخل العاشق لينام دون كلمة واحدة، وهو على السرير والكاميرا تدخل الغرفة بهدوء ثم تركز على رأسه، وفجأة خيط دم ينزل من خلف الأذن على السرير، وقد انفجر شريان فى الرأس، من غضبه المكتوم وحزنه، وقف شعر رأس صاحبنا لحظتها ،ونالته من لحظتها لعنة "الشرود/ السرحان" حين يحدثه أحد،،متخيلا لحظة دخول أمه لتوقظه فتجده كالبطل الغارق فى دمه ،،
ثم شهد فى الجزء الأخير من الفيلم ،ما جعل قلبه  يكبر قبل الأوان بأوان، وعرفت الدموع طريقها لخده،ربما للمرة الأولى ، ربما،
ذلك حين اخذ الاب ابنته ومشيا كصديقين فى صباح باكر ، جعله المخرج من اجمل وارق تصوير الصباح وربما اجمل من الصباح فى الواقع،  الأب -سيد عزمي - هنا ممزق بين ابوته ورجولته حين علم ان ابنته مارست الجنس مع حبيبها، وفى كفة اخرى محبة الأب لابنته ولوعته لأنه مطالب بإيذاءها،، كانت لحظات فارقة ، ووداع لعبل السيما ودخوله لملكوت السينما،   ،بعدها "بخ"تبخر العالم القديم، وكبر العيل/المراهق، دار ولف فى دوائر كثيرة،، وصار من عادته النقد والمراجعة والشك فى كل ما أحب ،
لكن اليقين انه "من يومها "خرج  لكل الدوائر
 وفى القلب مدينة لها دروب وشوارع ،كتب عليها:  عاطف الطيب!

No comments: