Apr 22, 2015

The Imitation Game


The Imitataion Game..
 ..العالم الذي عذبته البشرية وانقذها
أشرف نصر

  فيلم: لعبة المحاكاة
 أنتاج : بريطاني-أمريكي 2014 اخراج: مورتين تيلدوم سيناريو: جراهام مور -عن كتاب: اندرو هودجز بطولة: بيندكيت كوبرياتش-كيرا نايتلي

 فاز الكاتب جراهام مور بفيلمه لعبة المحاكاة بجائزة أوسكار 2015 كأحسن سيناريو مقتبس، بعد فوز الفيلم بعدة جوائز فى مهرجانات سبقت الاوسكار، الفيلم المأخوذ عن كتاب اندرو هودجز يقدم حياة عالم الرياضيات آلان تورينج والذي كرمت اسمه ملكة انجلترا بعد مرور نصف قرن على رحيله، صورة وردية للنجاح والأضواء، لكن الفيلم يقدم لنا خشونة وآلام الواقع، آلان تورينج باختصار هو عالم نجح وفريقه الصغير فى فك شفرة آلة اعتمد عليها النظام النازي فى رسائله وكبدت صعوية فك شفرتها الحلفاء ملايين من الضحايا، نجح تورينج فى صنع آلة مضادة فكت شفرة آلة انيجما، وفاز الحلفاء فى معركة الشفرات ثم الحرب،، فالحرب ليست فقط القنابل والقتال وجها لوجه، فالصراع بين العقول كان له دوره، بل وحتى بعد الحرب كانت آلته ملهمة وبذرة اختراع الكمبيوتر فلك أن تتخيل دوره فى حياتنا المعاصرة،، لكن كيف فعلها، الطريق وحياة تورينج لم يكونا مفروشين بالورود بل عاني تورينج من البيروقراطية ومحدودي الأفق وعديمو الخيال فى تجربته، وهو ما تغلب عليه، لكن هزمه المجتمع بسبب مثليته الجنسية، فبعد اختراع آلته والفوز بالحرب يحاكم بتهمة المثلية الجنسية ويتم حقنه بهرمونات الذكورة ، فينتحر تورينج تاركا العالم "للطبيعين"  ليحصدوا ما زرعه.
فيلم بعد فيلمين:
اذكر بعد فوز "جبل بروكباك" كيف تحولت الميديا لمظاهرة للدفاع عن حقوق المثليين جنسيا، وأمريكا ل"شو ضخم"، خاصة والفيلم يطعن كبرياء الذكورة الأمريكية فى مقتل، بتقديم رعاة بقر من المثليين،والفيلم محتشد بالمشاهد الجنسية بينهم بشكل صادم مجتمعيا،، ومن نافلة القول أنه لولا الانترنت لما شاهده احد فى المنطقة العربية، المهم أن الاستدعاء هنا له علاقة بموضوع فيلم لعبة المحاكاة،  والمقارنة ستصب فى صالح لعبة المحاكاة، المشغول اكثر بأزمة البطل ومعاناته بعيدا عن إثارة ما لمشاهديه او حتى استفزازهم، وعن الشو الاعلامي لمناصرة هؤلاء ، بل هو دعوة للتفكير بعيدا عن الأحكام الأخلاقية،،لكن فنيا  كسيناريو واخراج وتمثيل ،لن تكون  كذلك أمام فيلم "العقل الجميل" حول حياة عالم الرياضيات جون ناش،والمسافة بين الهذيان والحقيقة خاصة فى العلاقة بالمخابرات الأمريكية،،
وفى لعبة المحاكاة نحن أمام علاقة بجهاز المخابرات البريطاني الذي يمول ويشرف على تجرية تورينج
 رهافة انجليزية ولمسات هودليودية مزعجة:
 اجمل ما في فيلم لعبة المحاكاة هو نسيجه العام حيث المشاهد هو من يكتشف سخرية الشخصية، وآلامها،
 ويشترك فى التجربة مع بطلها، بينما نجد فى بعض المشاهد الالحاح للتأثير على المشاهد ، والتي نخمن ادخالها فى السيناريو فى نسخ لاحقة، ولا يهم دقة التخمين، ما اعنيه، انك ستجد الفيلم يركز على تجربة تورينج، لكن الفيلم يبدأ  بمشهد سيأتي لاحقا للتحقيق معه كجذب لانتباه المشاهد ،، ومشهد اكتشاف الحل فى لقاء تعارف فى بار ، يحيلنا مباشرة لمشهد ماستر سين فى فيلم العقل الجميل، ومن تلك اللمسات الواضحة من لمسات "فورم السيناريو  الأمريكي " جاء فى مشهد جميل كتابة واخراجا وتمثيلا حينما يرفض تورينج ابلاغ الامن فورا بكسر لشفرة آلة انيجما،خوفا من معرفة الالمان ان شفرتهم تم حلها، ولو حدث ذلك لغير الألمان اعدادات آله انيجما وهو ما يعني ضياع كل التجربة ،، والمشهد يكتمل تماما مع مأزق اخلاقي وانساني انهم مضطرين لترك بعض السفن تدمر والضحايا تسقط،،ثم فجأة تجد استطرادا لابتزاز العواطف ان احد افراد الفريق يريد انقاذ سفينة شقيقه، مع حوار وتمثيل يهدم بتقليديته المشهد،وكأنه ذروة مضادة ! اما اللمسة القاتلة -فى ظني-هو تكرار رسالة أو مقولة الفيلم عدة مرات رغم ان الفيلم يطرحها فى أماكنها بشكل مناسب، ثم نفاجئ بالالحاح عليها، ونقصد جملة: اولئك الذين يظنهم الناس بلا قيمة،وحدهم من يفعلون ما لا يتصور. ورغم هذه اللمسات ستجد سياق واسلوب الفيلم فى اغلب  الوقت اكثر رهافة وبساطة، فمثلا فى مشاهد اختيار الفريق المعاون لتورينج ستجد فوتومونتاج لسكان لندن والناس تحل الكلمات المتقاطعة فى المخابئ والقنابل والغارات تتوالي، وفى قصة حب تورينج لزميله فى المدرسة ستجد اللمسات والنظرات وحتى فى القضية التي حوكم فيها.لن ترى مشاهد بينه وبين من استاجره للجنس، ومن اجمل المشاهد اللحظة التي يتم فيها ابلاغه بموت زميله، فيدخل فى لحظة انكار نفسي، حتى انه يبلغ مدير المدرسة أنه غير مهتم ولا يعنيه الأمر، فهو لم يكن يعرف الزميل بشكل كاف لصداقة، بينما نحن كمشاهدين نعرف حجم الألم النفسي ونراه فى عيون الولد الذي ادي مشاهده بشكل يوازي "وفى رأيي"يفوق الممثل البطل، بيندكيت كوبرياتش، الذي يلمع فى مراحل التجربة العلمية وتصوير العالم بخصاله التي لا تطاق، بينما يضيع واحدا من اهم المشاهد مشهد المرض أو الألم من أثر  حكم القضاء البريطاني بالحقن بالهرومانات، ، نعرف الآن أن حكما كهذا يعد من الافعال المؤثمة قانونا الآن مواثيق حقوق الانسان،وهو امر لم يشهده تورينج وغيره ممن عانوا من التمييز  الديني والجنسي الخ الخ،
قصة حب وصداقة وعمل:
الانسة والفتاة الوحيدة فى الفريق،"جون كلارك" يخطبها تورينج ثم نكتشف انه خطبها رغم مثليته لاكمال الشكل الاجتماعي امام والديها، والاهم عنده اتمام المهمة،،لكن الانسة "كلارك" من جانبها ستجدها شخصية جميلة تحبه وتصادقه وتعرف جيدا ان قصتهما محكوم عليها بالفشل ولن تتم، وادت كايلي نايتلي الدور حسب مساحته ، لان الفيلم رغم هذه العلاقة المركبة ونفسية الفتاة ركز على البطل بالأساس وهو محور الفيلم، او ما عمل عليه صناعه بعيدا عن "الاتجار"او ابتزاز المشاعر تجاه شخص سيصفه دائما الناس بأنه وحش ، او لا يطاق، او كما  تقول الترجمة الحرفية:غريب  الأطوار.، ووجدت نايتلي متنفسا فى الاداء لو صح التعبير فى مشهد جميل وهو يواجهها انه استغلها فتصفعه وهي تدوس على اسنانها وترفض ان تعود  مجرد فتاة مطلوب منها اجتماعيا دور السكرتيرة والزوجة الطيعة .
حكاية الطبيعي والمختلف:
يصل بك الفيلم لاعادة التفكير فى افعالنا ومضايقاتنا وايذاءنا وعنفنا تجاه من يختلف عنك، بينما الأصل اننا لا نتشابه بل لكل منا صفاته وميوله وطباعه والفكرة فى التعايش بين مليارات البصمات البشرية، لكن الشعارات مختلفة طبعا عما يحدث ، والا ما كانت الحروب اصلا، والتي مهما اتخذت من اسباب ظاهرية :حروب دينية، حدود، اي سبب، ستجد الحقيقة ان السبب هو اختلافنا ومحاولة طرف فرض نمطه وطبيعته لاخضاع الطرف الآخر،ربما هنا استدعاء لفيلم ثالث هو فيلم الكارتون "الاقدام السعيدة" وكيف عاني البطريق الذي يحب الرقص من البطاريق الذين يرفضون اختلافه عنهم. وسنجد فى لعبة المحاكاة كيف هزم تورينج الة انيجما عندما ادرك تشابه الأفكار بين البشر  فيقدم آلة مضادة ليهزمها.بنفس منطق  البشر تعامل هو مع الآلة !
 اخيرا:ربماا المفارقة الأكبر أن الجملة ومقولة الفيلم المكررة التي اشرت اليها سابقا ليست اجمل واهم جمله-ففى رأيي- أن الاجمل والجملة الفارقة حقا، ما يتحدث عنه آلان تورينج حول أن الناس عندما تتكلم لا تعني ما تقوله، ويريدون منك أن تجيب حسب ما بداخلهم ودوافعهم لقول ذلك. وهو سر عثرات آلان تورينج فى الحياة أنه يعني ما يقول بصدق وبشكل حرفي ومنطقي ،.لو فكرنا بصدق سنجد للأسف أننا جميعا نلعب الالعاب والحيل النفسية بشكل تصفه العامية المصرية "لف ودوران" وفى تجلي شبابي للعامية المصرية توصفه بدقة "بنحور ف الكلام"،
 نحن  هكذا للأسف!
***
نشر بمجلة أبيض وأسود
العدد 39 مارس 2015

No comments: