قرأت الخطاب عدة مرات ..تفتحه مرة أخري بأصابع مرتعشة ..تفر نظراتها فوق الحروف وتتوقف أمام اسمه ..تحس بوقع الحروف علي قلبها وتشعر كأنما تجسد لها في أخر مرة رأته ..من الباب الخشبي الأسود المزين بالسلاسل ذات الصوت الرنان دخل زوجها ..في كلمات لا تبين حروفها القي تحيه المساء ..ارتمي علي الكرسي الضخم وأراح رأسه وخلع نظارته الطبية ثم أغلق عينيه ..تطوي الخطاب وتضعه بارتباك في الدرج ..حاولت أن تمد يدها إلي الريموت كنترول لكن يد الزوج كانت أسرع ..تتوالى أصوات المحطات المختلفة وهي تجلس مكومة علي كرسيها وتضم ركبتيها ..جرس الهاتف دق فنظرت إليه لكنه عاود إغماض عينيه فعلمت انه لن يرد ..بعد أن تلا التليفون الرسالة المسجلة جاء صوت زميله يؤكد عليه موعدهما في الغد ..الساعة الرتيبة اختطفت نظراتها فلم تلحظ انه تثاءب كإشارة لها بالسرعة في إعداد الطعام ..لما وجدها لم تهب للمطبخ رمي بالنظارة الطبية علي المنضدة الأرابيسك التي أمامه ..أنزلت قدميها ونهضت تجر خطواتها إلي المطبخ ..في صمت ترص الأطباق تذهب للثلاجة لإحضار الماء ..وفي طريقها تفتح الكاسيت علي أغنيتها القديمة التي تعشقها..أثناء خروجه وهو يربط الروب الصوف التقط الريموت وأعاد البحث في محطات التليفزيون وهو يجلس أمام الطعام ..حينما رفع صوت التليفزيون أغلقت هي الكاسيت وعادت لجلستها علي الكرسي ..أشار إليها وإلي الطعام فمسحت علي بطنها بكفها فوضع بصره في الطعام وبدأ في التهامه..رغم صوت المطرب الأجنبي وزخم ألوان الأغنية الأجنبية لكنها رفعت نظرتها من التليفزيون إلي الصورة التي تعلوه ..ظلت تحدق في جلستها بثوب العرس الأبيض وابتسامتها الشاحبة التي لا تكاد تبين ..وتحدق في وقوفه بثبات وهو يضع كفه اليمني علي كتفها الأيسر ..حين انكمش كتفها التفت زوجها باستغراب وقد انهي طعامه وقام بعد أن تنحنح بصوت عال ..الماء الساخن الذي يسيل من الصنبور لسها فابتعدت بأصابعها مفيقة من شرودها ..تزيد من البارد لضبط حرارة الماء ..
أشعلت الموقد وحدقت وهي تضع الشاي في ناره المستعرة ..كلما تدخل الحجرة يذكرها السرير برغبتها الشديدة في تغييره ..لكنها لم تخبره أبدا بتلك الرغبة ..تضع الشاي علي الكومود وترفع طرف الغطاء لتجلس بجانبه ..تعبث أصابعه علي الريموت ثم يترك أحد الأفلام القديمة ويخفض الصوت فلا تكاد تسمع شيئا ..بينما يشرب الشاي ينفث دخان سيجارته مفكرا ..تتابع هي مشاهد الفيلم القديم وتهمس بحواره الذي تحفظه ..يده امتدت لها بكوب الشاي الفارغ فوضعتها بجوار كوبها الممتلئ ..وأصابعه تضبط المنبه فرد جذعه وقبل خدها ثم وضع المنبه مكانه وتمدد مغمضا عينيه ..بعد أن تأكدت من نومه تسللت إلي الخارج ..فتحت الدرج وتحسست الظرف بأصابعها لتتأكد من وجوده ..التقطته وأسرعت إلي المكتب ..ذرات ضوء أباجورة المكتب انتشرت علي الخطاب ..تعيد قراءة ما تصفه أختها عن مصيره ..لم تستطع إكمال القراءة من دموعها التي انفجرت فأغرقته ..شعرت بارتياح يحل عليها فنهضت ..دون أن تشعل نور المطبخ تحركت بثبات تجاه الثلاجة ..أنارت الثلاجة المفتوحة المطب فأخذت الزجاجة وقذفت بالماء في جوفها ..في خطوات كثيرة وصلت الي الغرفة ..ولأنه قد تقلب بعيدا عن الوسادة وتمدد بعرض السرير فقد انكمشت بجانبه ..ظلت تحاول النوم دون جدوى ..التفت إلى المنبه فلم تستطع تمييز الساعة بدقة ..حلت علي شعرها يده في تقلبه الدائم في نومه ..أبعدتها وهي تنهض مرة أخرى ..
بالصالة وفي قلب كرسيها ظلت تنشج بصوت مكتوم .
أشرف نصر
No comments:
Post a Comment